يس
يس: من حروف التهجي. قيل معناه يا إنسان.[1]
أسماء السورة
وجه التسمية
«سورة يس»؛ سميت هذه السورة يس بمسمّى الحرفين الواقعين في أولها في رسم المصحف لأنها انفردت بهما فكانا مميزين لها عن بقية السور، فصار منطوقهما علما عليها.[5]
«سورة قلب القرآن»؛ دعاها بعض السلف «قلب القرآن» لوصفها في قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن لكل شيء قلبا و قلب القرآن يس».[6]
«سورة المعمة»، «سورة الدافعة»، «سورة القاضية»؛ ..عن هلال بن الصلت أنّ أبا بكر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «يس تدعى المعمة». قيل: يا رسول اللّه و ما المعمة؟ قال: «تعم صاحبها خير الدنيا و تدفع عنه أهاويل الآخرة» و تدعى الدافعة و القاضية. قيل: يا رسول اللّه و كيف ذلك؟ قال: «تدفع عنه كل سوء و تقضي له كل حاجة».[7]
«السورة العظيمة عندالله»؛ سميت بهذا الإسم لقول النبي صلي الله عليه و آله: ان في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله يدعى صاحبها الشريف عند الله يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة و مضر و هي سورة يس.[8]
«سورة حبيب النجار»؛ سميت هذه السورة سورة حبيب النجار لاشتمالها على قصّته. [9]
عدد الآيات
هي ثلاث و ثمانون آية.[10]
عدد الکلمات
هي سبعمائة و تسع و عشرونكلمة.[11] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في عدد الکلمات القرآنية مختلفة)
عدد الحروف
هي ثلاثة آلاف حرف.[12] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في عدد الحروف القرآنية مختلفة)
أغراض السورة
غرض السورة بيان الأصول الثلاثة للدين فهي تبتدئ بالنبوة و تصف حال الناس في قبول الدعوة و ردها و أن غاية الدعوة الحقة إحياء قوم بركوبهم صراط السعادة و تحقيق القول على آخرين و بعبارة أخرى تكميل الناس في طريقي السعادة و الشقاء. ثم تنتقل السورة إلى التوحيد فتعد جملة من آيات الوحدانية ثم تنتقل إلى ذكر المعاد فتذكر بعث الناس للجزاء و امتياز المجرمين يومئذ من المتقين و تصف ما تئول إليه حال كل من الفريقين. ثم ترجع إلى ما بدأت فتلخص القول في الأصول الثلاثة و تستدل عليها و عند ذلك تختتم السورة.[13]
المحتوي و الموضوعات
هذه السورة من السور المكّية، لذا فهي من حيث النظرة الإجمالية لها نفس المحتوى العام للسور المكّية، فهي تتحدّث عن التوحيد و المعاد و الوحي و القرآن و الإنذار و البشارة، و يلاحظ في هذه السورة أربعة أقسام رئيسيّة:
1- تتحدّث السورة أوّلا عن رسالة النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و القرآن المجيد و الهدف من نزول ذلك الكتاب السماوي العظيم و عن المؤمنين به، و تستمر بذلك حتّى آخر الآية الحادية عشرة.
2- قسم آخر من هذه السورة يتحدّث عن رسالة ثلاثة من أنبياء اللّه، و كيف كانت دعوتهم للتوحيد، و جهادهم المتواصل المرير ضدّ الشرك، و هذا في الحقيقة نوع من التسلية و المواساة لرسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و توضيح الطريق أمامه لتبليغ رسالته الكبرى.
3- قسم آخر منها، و الذي يبدأ من الآية 33 و حتّى الآية 44، مملوء بالنكات التوحيدية الملفتة للنظر، و هو عرض معبّر عن الآيات و الدلائل المشيرة إلى عظمة اللّه في عالم الوجود، كذلك فإنّ أواخر السورة أيضا تعود إلى نفس هذا البحث التوحيدي و الآيات الإلهية.
4- قسم مهمّ آخر من هذه السورة، يتحدّث حول المواضيع المرتبطة بالمعاد و الأدلّة المختلفة عليه، و كيفية الحشر و النشر، و السؤال و الجواب في يوم القيامة، و نهاية الدنيا، ثمّ الجنّة و النار، و هذا القسم يتضمّن مطالب مهمّة و دقيقة جدّا.
و خلال هذه البحوث الأربعة ترد آيات محرّكة و محفّزة لأجل تنبيه و إنذار الغافلين و الجهّال، لها الأثر القوي في القلوب و النفوس.
الخلاصة، أنّ الإنسان يواجه في هذه السورة بمشاهد مختلفة من الخلق و القيامة، الحياة و الموت، الإنذار و البشارة، بحيث تشكّل بمجموعها نسخة الشفاء و مجموعة موقظة من الغفلة.[14]
الفضائل، الخواص و ثواب التلاوة
أبي بن كعب قال: من قرأ سورة يس يريد بها وجه الله عز و جل غفر الله له و أعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة و أيما مريض قرئت عنده سورة يس نزل عليه بعدد كل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا و يستغفرون له و يشهدون قبضه و يتبعون جنازته و يصلون عليه و يشهدون دفنه و أيما مريض قرأها و هو في سكرات الموت أو قرئت عنده جاءه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاه إياها و هو على فراشه فيشرب فيموت ريان و يبعث ريان و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة و هو ريان.
أبو بكر عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: سورة يس تدعى في التوراة المعمة قيل و ما المعمة قال تعم صاحبها خير الدنيا و الآخرة و تكابد عنه بلوى الدنيا و تدفع عنه أهاويل الآخرة و تدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل شر و تقضي له كل حاجة و من قرأها عدلت له عشرين حجة و من سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله و من كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء و ألف نور و ألف يقين و ألف بركة و ألف رحمة و نزعت عنه كل داء و علة.
عن أنس بن مالك عن النبي صلي الله عليه و آله قال: إن لكل شيء قلبا و قلب القرآن يس.
عنه عن النبي صلي الله عليه و آله قال من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ و كان له بعدد من فيها حسنات.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لكل شيء قلبا و قلب القرآن يس فمن قرأ يس في نهاره قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين و المرزوقين حتى يمسي و من قرأها في ليله قبل أن ينام وكل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم و من كل آفة و إن مات في نومه أدخله الله الجنة و حضر غسله ثلاثون ألف ملك كلهم يستغفرون له و يشيعونه إلى قبره بالاستغفار له فإذا أدخل لحده كانوا في خوف قبره يعبدون الله و ثواب عبادتهم له و فسح له في قبره مد بصره و أمن من ضغطة القبر و لم يزل له في قبره نور ساطع إلى عنان السماء إلى أن يخرجه الله من قبره فإذا أخرجه لم تزل ملائكة الله معه يشيعونه و يحدثونه و يضحكون في وجهه و يبشرونه بكل خير حتى يجوزوا به الصراط و الميزان و يوقفوه من الله موقفا لا يكون عند الله خلق أقرب منه إلا ملائكة الله المقربون و أنبياؤه المرسلون و هو مع النبيين واقف بين يدي الله لا يحزن مع من يحزن و لا يهتم مع من يهتم و لا يجزع مع من يجزع ثم يقول له الرب تعالى اشفع عبدي أشفعك في جميع ما تشفع و سلني عبدي أعطك جميع ما تسأل فيسأل فيعطي و يشفع فيشفع و لا يحاسب فيمن يحاسب و لا يذل مع من يذل و لا يبكت بخطيئة و لا بشيء من سوء عمله و يعطى كتابا منشورا فيقول الناس بأجمعهم سبحان الله ما كان لهذا العبد خطيئة واحدة و يكون من رفقاء محمد صلي الله عليه و آله.[15]
محل النزول
مكية عند الجميع، قال: ابن عباس إلا آية منها و هي قوله «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» الآية نزلت بالمدينة.[16]
زمان النزول
نزلت سورة «يس» بعد سورة «الجنّ»، و كان نزول سورة الجن في رجوع النبي صلي الله عليه و آله من الطائف، و كان قد سافر إليها سنة عشر من بعثته، ليعرض الإسلام على أهلها، فيكون نزول سورة «يس» فيما بين الهجرة إلى الحبشة و الإسراء.[17]
جوّ النزول
الموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية. و هدفها الأول هو بناء أسس العقيدة. فهي تتعرض لطبيعة الوحي و صدق الرسالة منذ افتتاحها: «يس. وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ..». و تسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي و الرسالة؛ و تعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه. و قرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته: «وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ» ..
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية و الوحدانية. فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين و هو يقول: «وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؟ أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لا يُنْقِذُونِ؟ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» .. و قرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ» ..
و القضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث و النشور، و هي تتردد في مواضع كثيرة في السورة. تجيء في أولها: «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» .. و تأتي في قصة أصحاب القرية، فيما وقع للرجل المؤمن. و قد كان جزاؤها العاجل في السياق: «قِيلَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. قالَ: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» .. ثم ترد في وسط السورة: «وَ يَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ» .. ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة. و في نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار: «وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ. قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» ..
هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها، تتكرر في السور المكية. و لكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، و تتناسق مع إيقاعها و صورها و ظلالها. هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة بصفة خاصة و من مشاهد القصة و مواقفها و حوارها.[18]
الترتيب في المصحف
هذه السورة هي السورة «السادسة و الثلاثون» من القرآن بترتيب المصحف.
الترتيب حسب النزول
هذه السورة هي السورة «الحادية و الأربعون» من القرآن حسب النزول و نزلت بعد الجن.[19] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في ترتيب السور القرآنية حسب النزول مختلفة).
العلاقة مع السورة السابقة
لما ذكر سبحانه في آخر السورة أنهم أقسموا بالله ليؤمنن أن جاءهم نذير افتتح هذه السورة بأنهم لم يؤمنوا و قد جاءهم النذير.[20]
الخصوصية
افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة. و تبدأ بالقسم بالقرآن الحکيم.
و هي من المثاني. قال ابن قتيبة: [المثاني] ما ولي المئين من السّور التي دون المائة، كأنّ المئين مباد، و هذه مثان.[21] و تلک السور هي: الأحزاب و الحجّ و القصص و النمل و النور و الأنفال و مريم و العنکبوت و الروم و يس و الفرقان و الحجر و الرعد و سبأ و فاطر و إبراهيم و ص و محمد و لقمان و الزمر.[22]
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم أعطيت السبع الطول مكان التوراة و أعطيت المثاني مكان الزبور و أعطيت المئين مكان الإنجيل و فضلت بالمفصل. [23]
[1]و هو مروي عن ابن عباس و الحسن و عكرمة و الضحاك أنه يا إنسان بالحبشية. الدر المنثور ج5،ص258
[2]الإتقان فى علوم القرآن، ج1، ص 199 و 200
[3]الدر المنثور فى التفسير بالماثور، ج5، ص 257
[4]التحرير و التنوير، ج22، ص 191
[5]نفس المصدر
[6]نفس المصدر
[7]الكشف و البيان، ج8، ص 118
[8]الدر المنثور فى التفسير بالماثور، ج5، ص 257
[9]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج7، ص 171
[10]الكشف و البيان، ج8، ص 118
[11]نفس المصدر
[12]نفس المصدر
[13]الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص 62
[14]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص 125 و 126
[15]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص 646 و 647
[16]نفس المصدر
[17]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج7، ص 177
[18]فى ظلال القرآن، ج5، ص 2957
[19]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص 137
[20]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص 647
[21]زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص 141
[22]التمهيد في علوم القرآن، ج1 ص 313
[23]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج1، ص 34
[24]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص 126