الرحمن
الرحمن علي وزن «الفَعلان» و الرحيم علي وزن «الفعيل»، و کلاهما مشتقتان من الرحمة.[1] قيل «الرحمن» للمبالغة دون «الرحيم» مستدلاً بأن وزن الفعلان للمبالغة بخلاف الفعيل و إنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني[2] ، و قيل بل کلتا اللفظتين بنيتا للمبالغة[3] . إلّا أن فعلاناً أبلغ من فعيل.[4]
و أعتُبر لفظة «الرحمن» مشترکة بين العربية و اللغات الأخري دون لفظة الرحيم؛ حيث قال الکفعمي: «...و قال المرتضى الرحمن تشترك فيه اللغة العربية و العبرانية و السريانية و الرحيم مختص بالعربية»[5] . و الظاهر من الآيات أنّ العرب في العصر الجاهلي ما كانت تعرف «الرحمن» حيث قال سبحانه: «وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قَالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَ زَادَهُمْ نُفُوراً».[6]
أسماء السورة
سورة الرحمن، سورة عروس القرآن،[7] سورة الآلاء.
وجه التسمية
«سورة عروس القرآن»؛ سميت هذه السورة في لسان النبي صلي الله عليه و آله بعروس القرآن. قال صلى اللّه عليه و سلم: «لكل شيء عروس و عروس القرآن سورة الرحمن».[8]
«سورة الرحمن»؛ وجه تسمية هذه السورة بسورة الرحمن أنها ابتدئت باسمه تعالى «الرَّحْمنُ».[9]
«سورة الآلاء»؛ سميت بذلک لقوله تعالي «فبأيِّ آلاءِ ربِّکُما تُکَذِّبانِ» فإنها تکررت إحدي و ثلاثين مرة في هذه السورة.
عدد الآيات
هي ثمان و سبعون آية.[10]
عدد الکلمات
هي ثلاثمائة و إحدى و خمسون كلمة.[11] (الجدير بالذکر أن الأقوال في عدد الکلمات القرآنية مختلفة)
عدد الحروف
هي ألف و ستمائة و ستة و ثلاثون حرفا.[12] (الجدير بالذکر أن الأقوال في عدد الحروف القرآنية مختلفة)
أغراض السورة
الغرض من هذه السورة، الدعوة إلى اللّه تعالى بطريق الترغيب، و ذلك بتعداد نعمه على عباده، و قد أخذ المشركون في السورة السابقة(سورة القمر)، بطريق الإنذار و الترهيب، فأخذوا في هذه السورة بطريق الترغيب، تفنّنا في السياق، و تجديدا لنشاط السامع، على أنها لم تخل مع هذا من الأخذ بالترهيب أيضا.[13]
المحتوي و الموضوعات
إنّنا نستطيع أن نقسّم محتويات السورة إلى عدّة أقسام:
القسم الأوّل: الذي يشمل أوّل آيات السورة حيث الحديث عن النعم الإلهية الكبيرة، سواء تلك التي تتعلّق بخلق الإنسان أو تربيته و تعليمه، أو الحساب و الميزان، و كذلك سائر الأمور الاخرى التي يتجسّد فيها الخير للإنسان، إضافة إلى الغذاء الروحي و الجسمي له.
القسم الثّاني: يتناول توضيح مسألة خلق الإنس و الجنّ.
القسم الثّالث: يتضمّن توضيح الآيات و الدلائل الإلهيّة في الأرض و السماء.
القسم الرّابع: و فيه بعد تجاوز النعم الإلهية على الإنسان في الدنيا تتحدّث الآيات عن نعم اللّه في عالم الآخرة بدقّة و ظرافة، خاصّة عن الجنّة، و بصورة أعمّ و أشمل عن البساتين و العيون و الفاكهة و حور العين و أنواع الملابس من السندس و الإستبرق ...
و أخيرا في القسم الخامس نلاحظ الحديث باختصار عن مصير المجرمين و جزائهم المؤلم المحسوب ... و لأنّ الأصل في هذه السورة أنّها مختّصة ببيان الرحمة الإلهيّة، لذا لم نلاحظ تفاصيل كثيرة حول مصيرهم، خلافا لما نلاحظه في موضوع الحديث عن النعم الخروية حيث التفصيل و الشمول الذي يشرح قلوب المؤمنين و يغمرها بالسعادة و الأمل، و يزيل عنها غبار الحزن و الهمّ، و يغرس الشوق في نفوسهم ...
إنّ تكرار آية: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ و في مقاطع قصيرة أعطت وزنا متميّزا للسورة، و خاصّة إذا قريء بالمعنى المعبّر الذي يستوحى منها ... فإنّ حالة من الشوق و الانبهار تحصل لدى الإنسان المؤمن.[14]
الفضائل، الخواص و ثواب التلاوة
أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه و أدى شكر ما أنعم الله عليه.
و روي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: لكل شيء عروس و عروس القرآن سورة الرحمن جل ذكره.
أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تدعوا قراءة الرحمن و القيام بها فإنها لا تقر في قلوب المنافقين و تأتي ربها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة و أطيب ريح حتى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله سبحانه منها فيقول لها من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا و يدمن قراءتك فتقول يا رب فلان و فلان و فلان فتبيض وجوههم فيقول لهم اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتى لا يبقى لهم غاية و لا أحد يشفعون له فيقول لهم أدخلوا الجنة و اسكنوا فيها حيث شئتم.
و عنه عليه السلام قال: من قرأ سورة الرحمن ليلا يقول عند كل «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» لا بشيء من آلائك يا رب أكذب وكل الله به ملكا إن قرأها في أول الليل يحفظه حتى يصبح و إن قرأها حين يصبح وكل الله به ملكا يحفظه حتى يمسي.[15]
محل النزول
سورة الرحمن مدنية و قيل مكية غير آية نزلت بالمدينة «يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» عن عطاء و قتادة و عكرمة و إحدى الروايتين عن ابن عباس، و قيل مدنية عن الحسن و همام عن قتادة و أبي حاتم.[16]
زمان النزول
نزلت سورة «الرحمن» بعد سورة «الرعد»، و نزلت سورة «الرعد»، فيما بين صلح الحديبية و غزوة تبوك، فيكون نزول سورة «الرحمن» في ذلك التاريخ أيضا.[17] (هذا علي قبول مدنية السورة)
جوّ النزول
تتضمن السورة الإشارة إلى خلقه تعالى العالم بأجزائه من سماء و أرض و بر و بحر و إنس و جن و نظم أجزائه نظما ينتفع به الثقلان الإنس و الجن في حياتهما و ينقسم بذلك العالم إلى نشأتين: نشأة دنيا ستفنى بفناء أهلها، و نشأة أخرى باقية تتميز فيها السعادة من الشقاء و النعمة من النقمة. و بذلك يظهر أن دار الوجود من دنياها و آخرتها ذات نظام واحد مؤتلف الأجزاء مرتبط الأبعاض قويم الأركان يصلح بعضه ببعض و يتم شطر منه بشطر. فما فيه من عين و أثر، من نعمه تعالى و آلائه، و لذا يستفهمهم مرة بعد مرة استفهاما مشوبا بعتاب بقوله: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» فقد كررت الآية في السورة إحدى و ثلاثين مرة. و لذلك افتتحت السورة بذكره تعالى بصفة رحمته العامة الشاملة للمؤمن و الكافر و الدنيا و الآخرة و اختتمت بالثناء عليه بقوله: «تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ». و السورة يحتمل كونها مكية أو مدنية و إن كان سياقها بالسياق المكي أشبه. [18]
الترتيب في المصحف
هذه السورة هي السورة «الخامسة و الخمسون» من القرآن بترتيب المصحف.
الترتيب حسب النزول
هذه السورة هي السورة «السابعة و التسعون» من القرآن حسب النزول و نزلت بعد الرعد.[19] (الجدير بالذکر أن الأقوال في ترتيب السور القرآنية حسب النزول مختلفة)
العلاقة مع السورة السابقة
ختم الله سبحانه سورة القمر باسمه و افتتح هذه السورة أيضا باسمه.[20]
الخصوصية
تكررت هذه الآية «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» في السورة إحدى و ثلاثين مرة، لتذكّر الإنس و الجن، بنعم اللّه الجزيلة عليهم.[21] قال الإمام الصادق عليه السلام: من قرأ سورة الرحمن فقال عند كل فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لا بشيء من آلائِك ربّ اكذّب فان قرأها ليلًا ثمّ مات مات شهيداً و ان قرأها نهاراً ثمّ مات مات شهيداً.[22]
سميت هذه السورة في لسان النبي صلي الله عليه و آله بعروس القرآن.[23]
و فيها أقصر آية قرآنية في عدد الكلمات و هي «مُدْهامَّتانِ».[24]
و هي السورة الوحيدة في القرآن افتتحت بعد البسملة باسم من أسماء الله عز اسمه.
[1]جامع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص42، التبيان في إعراب القرآن، ج1، ص11
[2]مفاهيم القرآن، ج6، ص168
[3]أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج1، ص27، تفسير کنز الدقائق و بحر الغرائب، ج1، ص28
[4]التبيان في إعراب القرآن، ج1، ص11
[5]المصباح، ص317
[6]مفاهيم القرآن، ج6، ص 165
[7]التحرير و التنوير، ج27، ص214
[8]فتح القدير، ج5، ص157
[9]التحرير و التنوير، ج27، ص214
[10]الکشف و البيان، ج9، ص176
[11]نفس المصدر
[12]نفس المصدر
[13]الموسوعة القرآنية خصائص السور، ج9، ص91
[14]الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل، ج17، ص359
[15]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج9، ص298
[16]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج9، ص296
[17]الموسوعة القرآنية خصائص السور، ج9، ص91
[18]الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص 93
[19]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص137
[20]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج9، ص297
[21]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج9، ص87
[22]ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، النص، ص116
[23]فتح القدير، ج5، ص157
[24]التحرير و التنوير، ج1، ص 76. قال أبو عمرو الداني: «لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله: مُدْهامَّتانِ في سورة الرّحمن» (الآية: 64). (البرهان في علوم القرآن،ج1، ص366)
[25]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص313
[26]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج1، ص34