غافر
الغَفر: السَّتر و التغطية، و منه قولهم: غفر اللَّه ذنبك: أي ستره فلم يؤاخذك به. و اللَّه عز و جل الغافر و الغفور و الغفار.[1]
وجه التسمية
«سورة غافر»؛ تسمى هذه السورة سورة «غافر»، لقوله تعالى في أوّلها «غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ...».
«سورة المؤمن»؛ تسمى سورة «المؤمن» لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون «و اسمه خربيل» في قوله تعالى «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ».
«سورة الطول»؛ تسمي سورة «الطول»، لقوله تعالى «...ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
«سورة حم أولي»؛ تسمى «حم الأولى» لأنها السورة الأولى في الحواميم.[4]
«سورة حم المؤمن»؛ وردت تسمية هذه السورة في السنة «حم المؤمن». روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: من قرأ حم المؤمن إلى إليه المصير، و آية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتي يمسي» الحديث. [5]
عدد الآيات
هي خمس و ثمانون آية.[6]
عدد الکلمات
هي ألف و مائة و تسع و تسعون كلمة.[7] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في عدد الکلمات القرآنية مختلفة)
عدد الحروف
هي أربعة ألف و تسع مائة و ستون حرفا.[8] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في عدد الحروف القرآنية مختلفة)
أغراض السورة
الغرض من هذه السورة كالغرض من السورة السابقة (سورة الزمر) و هو الحثّ على إخلاص العبادة للّه. و لهذا ذكرت بعدها، و الفرق بينهما في ذلك أنّ المشركين أخذوا في السورة السابقة بطريق الدليل على فساد اعتقادهم في شفعائهم، و إن جاء فيه شيء من الترغيب و الترهيب، و أخذوا في هذه السورة بطريق الترغيب و الترهيب، و إن جاء فيه شيء من الطريق الأول.[9]
المحتوي و الموضوعات
بشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط و الأقسام الآتية:
القسم الأوّل: و هو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء اللّه الحسنى، خصوصا تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف و الرجاء في القلوب، مثل قوله تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ و شَدِيدِ الْعِقابِ.
القسم الثّاني: تهديد الكفّار و الطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق و أن نال أقواما اخرى في ماضي التأريخ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة، و تتناول بعض الصور و المشاهد التفصيلية فيه.
القسم الثّالث: بعد أن وقفت السورة على قصة موسى و فرعون، بدأت بالحديث بشكل واسع عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي اصطلح عليه ب «مؤمن آل فرعون» و كيف واجه البطانة الفرعونية و خلّص موسى عليه السّلام من كيدها.
القسم الرّابع: تعود السورة مرّة اخرى للحديث عن مشاهد القيامة، لتبعث في القلوب الغافلة الروح و اليقظة.
القسم الخامس: تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد و الشرك، بوصفهما دعامتين لوجود الإنسان و حياته، و في ذلك تتناول جانبا من دلائل التوحيد، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.
القسم السّادس: تنتهي السورة- في محتويات القسم الأخير هذا- بدعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم للتحمل و الصبر، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ و المعاد، و كسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية، و ما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا، ليكون ذلك تهديدا للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.[10]
الفضائل، الخواص و ثواب التلاوة
أبي بن كعب عن النبي صلي الله عليه و آله قال: من قرأ سورة حم المؤمن من لم يبق روح نبي و لا صديق و لا مؤمن إلا صلوا عليه و استغفروا له.
روى أبو الصباح عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قرأ حم المؤمن في كل ثلاث غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و ألزمه التقوى و جعل الآخرة خيرا له من الدنيا.[11]
محل النزول
سورة غافر مكية قال ابن عباس و قتادة إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ» إلى قوله «لا يَعْلَمُونَ» و قال الحسن إلا قوله «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ» يعني بذلك صلاة الفجر و صلاة المغرب و قد ثبت أن فرض الصلاة نزل بالمدينة.[12]
زمان النزول
نزلت سورة «غافر» بعد سورة «الزّمر»، و قد نزلت سورة «الزمر» بعد الإسراء و قبيل الهجرة، فيكون نزول سورة «غافر» في ذلك التاريخ أيضا.[13]
جوّ النزول
هذه السورة كسائر السور المكّية، تثير في محتواها قضايا العقيدة و، تتحدث عن أصول الدين الإسلامي و مبانيه و في ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد و إقامة قواعد الدين الجديد. يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن «مؤمن آل فرعون» ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالإسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين و المعاندين، و في نفس الوقت فإن إسلامه و انقياده لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس عليهما غبار. لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة و دفع الضر عن أتباعها، و في هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالب عليه السّلام عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان من جملة هؤلاء، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.[14]
الترتيب في المصحف
هذه السورة هي السورة «الأربعون» من القرآن بترتيب المصحف.
الترتيب حسب النزول
هذه السورة هي السورة «الستون» من القرآن حسب النزول و نزلت بعد الزمر.[15] (الجدير بالذکر أنّ الأقوال في ترتيب السور القرآنية حسب النزول مختلفة)
العلاقة مع السورة السابقة
لما ختم سبحانه سورة الزمر بذكر الملائكة و الجنة و النار افتتح هذه السورة بمثل ذلك.[16]
الخصوصية
سورة المؤمن هي طليعة الحواميم، و الحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضا، نزلت جميعا في مكّة، و هي تبدأ بـــ «حم».[17] و تلک السور هي: المؤمن و الزخرف و فصلّت و الشوري و الأحقاف و الجاثية و الدخان.[18]
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: لكلّ شيء ثمرة، و ثمرة القرآن الحواميم، هنّ روضات حسنات مخصبات، فمن أحبّ أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم.[19] و قال ابن مسعود: «الحواميم ديباجة القرآن»، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» و نزلت كلّها بمكة.[20]
و هذه السورة من المثاني. قال ابن قتيبة [المثاني] ما ولي المئين من السّور التي دون المائة، كأنّ المئين مباد، و هذه مثان.[21] و تلک السور هي: الأحزاب و الحجّ و القصص و النمل و النور و الأنفال و مريم و العنکبوت و الروم و يس و الفرقان و الحجر و الرعد و سبأ و فاطر و إبراهيم و ص و محمد و لقمان و الزمر.[22]
[1]شمس العلوم و دواء كلام العرب من الكلوم، ج8، ص 4975
[2]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج8، ص 3
[3]التحرير و التنوير، ج24، ص 141
[4]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج8، ص 3
[5]التحرير و التنوير، ج24، ص 141
[6]الكشف و البيان، ج8، ص 261
[7]نفس المصدر
[8]نفس المصدر
[9]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج8، ص 9
[10]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج15، ص 174 و 175
[11]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص 797
[12]نفس امصدر
[13]الموسوعة القرآنية، خصائص السور، ج8، ص 9
[14]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج15، ص 173
[15]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص 136
[16]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص 798
[17]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج15، ص 173
[18]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص 313
[19]التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)، ج5، ص 390
[20]الکشف و البيان، ج8، ص262، إعراب القراءات السبع و عللها، ج2، ص 262
[21]زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص 141
[22]التمهيد في علوم القرآن، ج1، ص 313
[23]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج1، ص 34