إرميا علیه السلام
هو أرميا، و قيل: أرمياء، و قيل: يرميا، و قيل: يرمية، و قيل: رميا بن حلقيا، و قيل: حزقيا من سبط لاوي ابن نبيّ اللّه يعقوب عليه السّلام، و قيل من سبط هارون بن عمران أخي موسى بن عمران عليه السّلام.
أحد أنبياء بني إسرائيل بعد شعيا عليه السّلام، و هناك من وحّده مع نبيّ اللّه عزير عليه السّلام و نبيّ اللّه الخضر عليه السّلام، و قيل: إنّ الخضر لقب من ألقابه. كان مؤمنا، صالحا، ورعا، زاهدا، قدّيسا، كثير البكاء من خشية اللّه، فعرف بالبكّاء.
بعثه اللّه إلى بني إسرائيل بعد أن عصوا اللّه، و أظهروا المعاصي، و قتلوا الأنبياء و الصلحاء؛ ليهديهم و يرشدهم و يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحذّرهم غضب الجبّار، فوقف بكلّ حزم أمام شركهم و مظالمهم الاجتماعيّة، فكانت مدّة خدمته 41 سنة. قابلوه بالعصيان و التمرّد و التكذيب، ثمّ ألقوا القبض عليه و سجنوه، و ذلك في عهد ملكهم صدقيا، و بعد أن مكث في السجن عشر سنين أرسل اللّه عليهم نبوخذنصّر و جحافل عساكره، فنزل في أراضيهم، و بطش بهم، و قتل منهم جمعا غفيرا، و خرّب ديارهم، و سبى الآلاف منهم، ثمّ أمر بهدم بيت المقدس، و أسر صدقيا الملك، و أصدر أمرا بإلقاء القاذورات و الجيف في معابدهم.
و لمّا علم نبوخذنصّر بتواجد المترجم له في أحد سجون بني إسرائيل، و كونه من الأنبياء الذين أرسلهم اللّه إليهم ليرشدهم و يهديهم طريق الحقّ و الصواب، و لكنّهم كذّبوه و عذّبوه ثمّ حبسوه، فأمر بإطلاق سراحه من السجن، و أحضره لديه و قال له:
أ كنت تحذّر قومك ما أصابهم؟ فقال أرميا عليه السّلام: نعم، فإنّ اللّه أرسلني إليهم فكذّبوني، قال نبوخذنصّر: كذّبوك و ضربوك و سجنوك؟ قال عليه السّلام: نعم، قال نبوخذنصّر: بئس القوم قوم كذّبوا نبيّهم، و كذّبوا رسالة ربّهم، ثمّ خيّره بين المجي ء معه أو البقاء في فلسطين، ففضّل أرميا عليه السّلام البقاء في بلاده، فتركه بعد أن أحسن إليه.
و بعد رحيل نبوخذنصّر عن بيت المقدس اجتمع إلى المترجم له من بقي من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا: نحن قد أسأنا و ظلمنا، و نحن نتوب إلى اللّه ممّا صنعنا، فادع اللّه أن يقبل توبتنا، فدعا أرميا عليه السّلام ربّه، فأوحى اللّه إليه أنّه غير قابل توبتهم، فإن كانوا صادقين في أقوالهم فليقيموا معك في بيت المقدس، فأخبر قومه بما أمره اللّه به، فقالوا: لا نقم بهذه البلدة المخرّبة التي غضب اللّه على أهلها.
أمر اللّه المترجم له بأن يأتي إلى مكّة و يخرج منها معد بن عدنان لكيلا تصيبه النقمة، فأخرجه و هو شابّ، و أتى به إلى حرّان، فلمّا انصرف نبوخذنصّر عن العرب ردّه إلى مكّة المكرّمة.
و كان قد تنبّأ لبني إسرائيل بسقوط أورشليم و خرابها و تدمير هيكل سليمان عليه السّلام، فدعاهم للخضوع و الإذعان لنبوخذنصّر فكذّبوه و اضطهدوه.
و يقال: إنّه خاف في أوّل الأمر من نبوخذنصّر عند ما هجم على بيت المقدس، فأخذ تابوت السكينة و خبّأه في مغارة؛ خوفا من أن يقضي عليه نبوخذنصّر و جنوده.
عاصر من ملوك بني إسرائيل كلّا من يوشيا، و يواحاز، و يهوياقيم، و صدقيا، و عاصر الملك الفارسيّ لهراسب.
كان أكثر الناس تصديقا له و إخلاصا إليه تلميذه اليمنيّ باروخ بن نريا الكاتب، و تتلمذ عليه زرادشت، ثمّ قام زرادشت بعمل أغضب فيه المترجم له، فدعا عليه فبرص، فعند ذاك فارق أستاذه و اخترع دين المجوسيّة أو الديانة الزرادشتيّة.
و يقال: إنّ أرميا عليه السّلام انتقل إلى مصر فألقى اليهود القبض عليه و سجنوه في بئر، ثمّ أخرجوه و رجموه حتّى استشهد، فدفنوه في مصر، و في عهد الإسكندر نقل تابوته إلى الإسكندريّة و دفنوه بها، و يقال: إنّه رجع من مصر إلى بيت المقدس و عاش فيها 300 سنة ثمّ توفّي.
ينسب إليه سفر يدعى «سفر أرميا» و له رسالة مطوّلة ضدّ عبادة الأوثان في بابل، و ينسب إليه المزمور الثاني و العشرون المنسوب لنبيّ اللّه داود عليه السّلام، و ينسبون إليه ثلاثين مزمورا.
و له مراثي في خراب و دمار أورشليم تعرف ب «مراثي أرميا» أو «سفر المراثي».
توفّي حدود سنة 586 قبل الميلاد، و قيل: حوالي سنة 570 قبل الميلاد، و كانت ولادته بمدينة عثاتوث حدود سنة 626 قبل الميلاد، و قيل: حدود سنة 650 قبل الميلاد، و قيل: حدود سنة 640 قبل الميلاد.
القرآن الكريم و أرميا عليه السّلام :
أوحى اللّه إليه، أن اخرج إلى بيت المقدس إنّي عامرها، فخرج إليها فرآها خرابا، فقال: متى يعمّرها اللّه و متى يحييها بعد أن خربت و مات أهلها فوضع رأسه و نام، فمكث في نومه سبعين عاما ثمّ استيقظ و كان نبوخذنصّر قد مات فرأى المدينة قد عمّرت، و سكنها الناس، ثمّ أنامه اللّه حتّى مكث في نومه مائة عام، ثمّ بعثه اللّه و هو يظنّ أنّه ما نام أكثر من ساعة، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شي ء قدير، فنزلت فيه، و قيل في غيره الآية 259 من سورة البقرة: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها ...».[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 75
[1]أعلام القرآن، ص 75