غزوة حنين
هي غزوة وقعت في العاشر من شوال في السّنة الثامنة للهجرة بين المسلمين و قبيلتي هوازن و ثقيف في واد يسمّى حنين بين مدينة مكّة و الطائف. كان قائد المعركة و سببها رجل يسمّى مالك بن عوف النّصري من قبيلة هوازن و قد سيّر جيشه حتى وصل بالقرب من مكة، و عندما وصلت الأخبار للمسلمين وجّه المسلمون جيشًا كبيرًا و كان يضم الكثير ممّن أسلموا بعد فتح مكّة و قد أعجبت كثرة الجيش و عدّته و عتاده المسلمين و وصلوا بثقتهم بالجيش إلى حد الغرور و قد قال بعض المسلمين لن نغلب اليوم من قلّة. إن غزوة حنين هي من الأحداث التي تلت صلح الحديبية، و غزوة خيبر، و غزوة مؤتة، و فتح مكة، و قد جرت هذه الغزوة في فترة إزدهار و انتشار الإسلام في داخل الجزيرة العربية و خارجها، حيث كان صلح الحديبية هو السبب في هذا الإزدهار و الانتشار لهذا الدين، فقد تفرغ الرسول خلال مدة هذا الصلح إلى الدعوة و مراسلة الملوك في داخل الجزيرة العربية و خارجها. وقعت غزوة حنين بالتحديد في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، و قد بدأت القصة بعد فتح مكة المكرمة، و استسلام العديد من القبائل في الجزيرة العربية، و تسليمها بالأمر الواقع، إلا بعض القبائل القوية مثل: هوازن و ثقيف و نصر و جشم، و قبائل سعد بن بكر، فما رضيت هذه القبائل بالإستسلام و الخضوع، فتحالف من تحالف معها، و قررت إعلان الحرب على المسلمين، و كان قائدهم في هذه الحرب هو مالك بن عوف النصري، و هو شاب في الثلاثين من عمره.[1]
قال المقریزي: خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى غزوة حنين: و ذلك واد و يقال ماء بينه و بين مكة ثلاث ليال في قرب الطائف. سمّي بحنين بن قانية بن مهلائيل من جرهم، و قيل: حنين بن ماثقة بن مهلان بن مهليل بن عبيل بن عوص بن إرم ابن سام بن نوح... و ذلك أن أشراف هوازن و ثقيف حشدوا، و قد جعلوا أمرهم إلى مالك ابن عوف النصريّ، و هو ابن ثلاثين سنة. و أقبلت ثقيف و نصر و جشم، و كان في ثقيف سيّدان لهم هما: قارب بن عبد الله بن الأسود بن مسعود الثقفيّ، و ذو الخمار سبيع بن الحارث، [و يقال: الأحمر بن الحارث ]، و اجتمع إليهم من بني هلال بن عامر نحو المائة، و لم يحضرهم أحد من كعب و لا كلاب [من هوازن ] و حضر دريد بن الصّمّة و هو ابن ستين و مائة سنة لا شي ء فيه، إلا أنهم يتيمنون برأيه و معرفته بالحرب و دربته.
(منزل هوازن) :
و جاءوا جميعا بأموالهم و نسائهم و أبنائهم يريدون حرب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم حتى نزلوا بأوطاس، فقال دريد: بأيّ واد أنتم: قالوا: بأوطاس فقال: مجال الخيل! لا حزن ضرس، و لا سهل دهس. ثم قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير، و رغاء البعير، و نهاق الحمير، و يعار الشاة؟ قال مالك: يا أبا قرّه! إني سقت مع الناس أموالهم و ذراريهم، و أردت أن أجعل خلف كلّ رجل منهم أهله و ماله يقاتل عنه، فأنقض به دريد، ثم قال: رويعي ضأن و الله! و هل يردّ المنهزم شي ء؟ و قال: هذا يوم لم أشهده، و لم أغب عنه!..
(خروج رسول الله إلى حنين ):
فغدا صلّى الله عليه و سلّم يريدهم يوم السبت لست خلون من شوال، و قيل قدم مكة لثماني عشرة ليلة من شهر رمضان سنة ثمان، و أقام بها اثنتي عشرة ليلة، ثم أصبح غداة الفطر غاديا إلى حنين. و خرج معه أهل مكة- لم يتأخر منهم كبير أحد- ركبانا و مشاة، حتى خرج معه النساء يمشين: على غير دين نظارا ينظرون و يرجون الغنائم، و لا يكرهون الدّولة لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم. و استعمل على مكة عتّاب بن أسيد و له نحو عشرين سنة، و جعل معه معاذ بن جبل يعلمهم السّنن و الفقه. و خرج معه اثنا عشر ألف رجل: عشرة آلاف من المدينة و ألفان من أهل مكة، و هم الطلقاء.
(إعجاب المسلمين بكثرتهم يوم حنين ):
قال رجل من بني بكر: لو لقينا بني شيبان ما بالينا، و لا يغلبنا اليوم أحد من قلة! فأنزل الله تعالى: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» (التوبة:25) ....
(المسير إلى القتال ):
و انحدر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بأصحابه في وادي حنين. و هو على تعبئته و قد ركب بغلته البيضاء دلدل، و لبس درعين و المغفر و البيضة، و حضّ على القتال، و بشر بالفتح إن صدقوا و صبروا.
(انهزام المسلمين ):
فاستقبلتهم هوازن في غبش الصّبح بكثرة لم يروا مثلها قط، و حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانكشف أول الخيل خيل [بني ] سليم مولّية، فولوا و تبعهم أهل مكة، و تبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شي ء.
(انهزام المشركين بغير قتال ):
فالتفت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يمينا و شمالا- و الناس منهزمون حتى بلغوا مكة، فلم يرجع آخرهم إلا و الأسارى بين يدي النبي عليه السلام- و هو يقول: يا أنصار الله و أنصار رسول الله؟ أنا عبد الله و رسوله!! ثم تقدّم بحربته أمام الناس، و انهزم المشركون، و ما ضرب أحد من المسلمين بسيف و لا طعن برمح. و رجع صلّى الله عليه و سلّم إلى العسكر، و أمر أن يقتل كلّ من قدر عليه من المشركين، و قد ولت هوازن، و ثاب من انهزم من المسلمين...
(دعوة المنهزمين ):
و قال صلّى الله عليه و سلّم يا عباس! اصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السّمرة! فنادى بذلك و كان رجلا صيّتا، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنّت إلى أولادها يقولون يا لبّيك ... يا لبيك! فأشرف صلّى الله عليه و سلّم كالمتطاول في ركابيه، فنظر إلى قتالهم و قال: الآن حمي الوطيس! ثم أخذ بيده من الحصا فرماهم به و هو يقول: شاهت الوجوه، حم لا ينصرون! ثم قال: انهزموا و ربّ الكعبة! فما زال أمرهم مدبرا و انهزموا: فانحاز صلّى الله عليه و سلّم ذات اليمين، و هو على بغلته قد جرّد سيفه.....
و لما كانت هزيمة المسلمين، تكلم قوم بما في نفوسهم من الضّغن و الغشّ، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؟ فقال [أبو مقيت ابن سليم ]: أما و الله لو لا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلّم ينهي عن قتلك لقتلتك! و قال كلدة بن حنبل- أخو صفوان لأمه- ألا بطل سحر محمد اليوم! فقال له صفوان: اسكت فضّ الله فاك! لأن يربّني ربّ من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني ربّ من هوازن! ...
(الغنائم و السبي ):
و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلّم بالغنائم فجمعت. و نادى مناديه: من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يغلّ! و أصاب المسلمون سبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهنّ و لهنّ أزواج، فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلّم عن ذلك فأنزل الله «وَ الْمُحْصَناتُ من النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ الله عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ به مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ به من بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ الله كانَ عَلِيماً حَكِيماً« (النسا:24) و قال صلى الله عليه و سلّم يومئذ: لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها، و لا غير ذات حمل حتى تحيض....
(الشهداء و السبي ):
و جميع من استشهد بحنين أربعة. و في هذه الغزاة قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم: من قتل قتيلا فله سلبه. و كان أبو طلحة قد قتل عشرين رجلا فأعطاه سلبهم. و ذكر الزبير بن بكّار: أن رسول الله صلى الله عليه و سلّم سبى يوم حنين ستة آلاف- بين غلام و امرأة- فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب..».[2]
المنابع:
إمتاع الأسماع،ج 2،ص8-17
المغازي،ج 3،ص885
السيرةالنبوية،ج 2،ص437
[1]المغازي،ج 3،ص885، السيرةالنبوية،ج 2،ص437
[2]إمتاع الأسماع،ج 2،ص8-17