أبوذر الغفاري
هو أبو ذر و أبو ذرّة جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة الغفاري، الحجازي، و أمّه رملة بنت الرفيقة الغفارية، و هناك أقوال أخر في اسمه و نسبه.
من خيرة أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان راسخ الإيمان باللّه، عالما فاضلا، فقيها جليل القدر، مثالا للزّهد و التقى و الصدق.كان من السابقين الأوائل إلى الإسلام، و كان قبل إسلامه يعبد اللّه و لم يشرك به. كان من أوائل الذين عذّبوا لاعتناقهم الإسلام، و كان يجاهر بإسلامه أمام الناس. كان منطيقا قوّالا بالحق، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، و لعظمة شأنه و جلالة قدره صار من حواريّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أحد الأربعة الذين أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بحبّهم، و كان أول من حيّا النبي صلّى اللّه عليه و آله بتحية الإسلام.
يعتبر المترجم له أحد أركان التشيّع الأربعة، و من أوائل من والى و أخلص للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في القول و العمل، فكان أوّل من لقّب بالشيعي على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان من جملة النفر القليل الذين حضروا تشييع جنازة فاطمة الزهراء عليها السّلام و صلّوا عليها.
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في حقه: «أبو ذر صدّيق هذه الأمّة» فضرب المثل في صدقه. و قال عليه السّلام: «ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر». و قال عليه السّلام: «أبو ذر يمشي على الأرض في زهد عيسى بن مريم عليه السّلام».
و بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله ارتدّ الناس عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام إلّا ثلاثة و هم: أبو ذر و سلمان الفارسي و المقداد الكندي، فلازم الإمام عليه السّلام و والاه أشدّ الموالاة، و كان يتجاهر بذكر فضائله و فضائل أهل بيته. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حقه: «ضاقت الأرض بسبعة، بهم ترزقون، و بهم تنظرون، و بهم تمطرون، منهم أبو ذر».
بعد موت أبي بكر بن أبي قحافة انتقل إلى الشام و استوطنها، فلم يزل بها حتى أيام حكومة عثمان بن عفان، فوقف منه موقف المعارض، و أخذ ينهاه عن قبائح أعماله، و يحتجّ على تصرّفاته المشينة و المخالفة للإسلام، فأبعده عثمان إلى الرّبذة من قرى المدينة، و أمر الناس أن يتحاموه و يجافوه.
و عند خروجه من المدينة إلى الربذة جعل عثمان مروان بن الحكم مراقبا عليه، فلمّا علم الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بإبعاده، جاء و معه الحسنان عليهما السّلام و جماعة من المسلمين لتوديعه، فاعترضهم مروان قائلا: يا عليّ! إنّ أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر في مسيره و يشيّعوه، فإن كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك. فحمل عليه أمير المؤمنين عليه السّلام السوط و ضرب بين أذني ناقة مروان و قال عليه السّلام: تنحّ نحّاك اللّه إلى النار، ثم مضى مع أبي ذر مشيّعا له، ثم ودّعه و انصرف.
تصدّى للإفتاء في عهد أبي بكر و عمر و عثمان، و شهد فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب. له خطبة بليغة يشرح فيها مجريات الأمور بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله. روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله جملة من الأحاديث، و روى عنه جماعة. قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في حقّه: «يعيش أبو ذر وحده، و يموت وحده، و يبعث وحده، و يدخل الجنة وحده». و لم يزل في منفاه- الربذة- حتى توفّي في شهر ذي الحجة سنة 32 ه، و قيل: سنة 31 ه، و صلّى عليه عبد اللّه بن مسعود، و دفن بها.
و شملته و قيل نزلت فيه: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ ....».[1] و شملته: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا ....»[2] و ذلك لأنّ أبا ذر و جماعة من المسلمين اتّفقوا فيما بينهم بأن يصوموا النهار و يقوموا الليل، و لا يناموا على الفرش، و لا يأكلوا اللحم و غيره من الطيبات، و يترهّبوا، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فجمعهم و قال: «إنّي لم أؤمر بذلك، إنّ لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا و افطروا، و قوموا و ناموا، فإنّي أقوم و أنام، و أصوم و أفطر، و آكل اللحم و الدسم، و من رغب عن سنتي فليس مني».[3]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 258 - 255
[1]البقرة: 207
[2]المائدة: 87
[3]أعلام القرآن، ص 258 - 255