أبو یحیی صهیب بن سنان
هو أبو يحيى، و قيل: أبو غسان، و قيل: أبو عسال صهيب بن سنان بن مالك ابن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة ابن جذيمة بن كعب بن سعد النمريّ، الربعي، المعروف بالرومي، و يقال: كان اسمه عبد الملك و لقبه صهيبا، و أمّه سلمى بنت قصيد.
أحد صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و من أوائل الذين أسلموا و أظهروا الإسلام و عذّبوا لأجل إسلامهم، و هاجر إلى المدينة. كان أبوه و عمّه من أشراف العرب في الجاهليّة، عيّنهما كسرى على الأبلّة. كانت منازل قومه على نهر دجلة في قرية نينوى من أعمال الموصل، و قيل: على الفرات من أرض الجزيرة، و بها ولادة صهيب.
أغار الروم على أهل صهيب، و أخذوه و هو صغير، فنشأ بينهم فصار في لسانه لكنة و عجمة شديدة، ثم اشتراه منهم أحد بني كلب و قدم به مكّة، فاشتراه عبد اللّه بن جدعان ثم أعتقه، فسكن مكّة، و تعاطى التجارة، و لعجمة لسانه عرف بالرومي.
عند ظهور الإسلام أسلم، فآخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين الحارث بن الصمّة. شهد مع النبي صلّى اللّه عليه و آله بدرا و أحدا و الخندق و ما بعدها من المشاهد، و كان من مشاهير رماة العرب للسهام.
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: السبّاق أربعة، أنا سابق العرب، و صهيب سابق الروم، و سلمان سابق الفرس، و بلال سابق الأحباش. روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أحاديث، و روى عنه جماعة.
بعد مقتل عثمان بن عفان كان من جملة الذين امتنعوا عن مبايعة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّه كان يعادينا. و بعد أن عمّر 73 سنة، و قيل: 70 سنة، و قيل: 84 سنة، مات بالمدينة في شهر شوال سنة 38 ه، و قيل: سنة 39 ه، و دفن بالبقيع.
لمّا أقبل صهيب ليهاجر نحو النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة أخذه المشركون و عذّبوه، فقال لهم: أنا شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي و تذروني و ديني؟ ففعلوا ذلك و أطلقوا سراحه، فنزلت فيه الآية 207 من سورة البقرة:«وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ ..». و الصحيح إنها نزلت في الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.
و شملته الآية 69 من سورة النساء: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ...».
الآية 51 من سورة الأنعام: «وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ ...».
كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يجالس في مسجده المستضعفين من أصحابه، أمثال صهيب، فكان المشركون يستهزءون بهم و يقولون: أ هؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا بالهدى و الحقّ؟ لو كان ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه، و ما خصّهم اللّه به دوننا، فنزلت فيهم الآية 52 من سورة الأنعام: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ ...».
و في أحد الأيّام دخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله بعض رؤساء قريش، فوجدوا عنده جماعة من مستضعفي المؤمنين أمثال المترجم له، فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و آله: لو أبعدت هؤلاء عنك لآمنّا بك و اتّبعناك، فنزلت فيهم الآية 53 من نفس السورة: «وَ كَذلِكَ فتَنَّا بعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بيْنِنا ...».
و نزلت فيه و في أمثاله من المستضعفين الذين عذّبهم المشركون الآية 41 من سورة النحل: «وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ...».
و شملته الآية 28 من سورة الكهف: «وَ اصْبِرْ نفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ...».
و الآية 109 من سورة المؤمنون: «إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ».[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 522
[1]أعلام القرآن، ص 522