یوم النحس
المجموعات : الأزمنة

یوم النحس

نحوسة اليوم أو أي مقدار من الزمان أن لا يعقب الحوادث الواقعة فيه إلا الشر و لا يكون الأعمال أو نوع خاص من الأعمال فيه مباركة لعاملها، و سعادته خلافه.

و لا سبيل لنا إلى إقامة البرهان على سعادة يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة و لا نحوسته و طبيعة الزمان المقدارية متشابهة الأجزاء و الأبعاض، و لا إحاطة لنا بالعلل و الأسباب الفاعلة المؤثرة في حدوث الحوادث و كينونة الأعمال حتى يظهر لنا دوران اليوم أو القطعة من الزمان من علل و أسباب تقتضي سعادته أو نحوسته، و لذلك كانت التجربة الكافية غير متأتية لتوقفها على تجرد الموضوع لأثره حتى يعلم أن الأثر أثره و هو غير معلوم في المقام.

و لما مر بعينه لم يكن لنا سبيل إلى إقامة البرهان على نفي السعادة و النحوسة كما لم يكن سبيل إلى الإثبات و إن كان الثبوت بعيدا فالبعد غير الاستحالة. هذا بحسب النظر العقلي.

و أما بحسب النظر الشرعي ففي الكتاب ذكر من النحوسة و ما يقابلها، قال تعالى:

«إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ»: القمر: 19، و قال: «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ»: حم السجدة: 16، لكن لا يظهر من سياق القصة و دلالة الآيتين أزيد من كون النحوسة و الشؤم خاصة بنفس الزمان الذي كانت تهب عليهم فيه الريح عذابا و هو سبع ليال و ثمانية أيام متوالية يستمر عليهم فيها العذاب من غير أن تدور بدوران الأسابيع و هو ظاهر و إلا كان جميع الزمان نحسا، و لا بدوران الشهور و السنين.

و قال تعالى: «وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ»: الدخان: 3، و المراد بها ليلة القدر التي يصفها الله تعالى بقوله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»: القدر: 3، و ظاهر أن مباركة هذه الليلة و سعادتها إنما هي بمقارنتها نوعا من المقارنة لأمور عظام من الإفاضات الباطنية الإلهية و أفاعيل معنوية كإبرام القضاء و نزول الملائكة و الروح و كونها سلاما، قال تعالى: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»: الدخان: 4، و قال: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»: القدر: 5.

و يئول معنى مباركتها و سعادتها إلى فضل العبادة و النسك فيها و غزارة ثوابها و قرب العناية الإلهية فيها من المتوجهين إلى ساحة العزة و الكبرياء.

و أما السنة فهناك روايات كثيرة جدا في السعد و النحس من أيام الأسبوع و من أيام الشهور العربية و من أيام شهور الفرس و من أيام الشهور الرومية، و هي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث أكثرها ضعاف من مراسيل و مرفوعات و إن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث إسنادها.

أما الروايات العادة للأيام النحسة كيوم الأربعاء و الأربعاء لا تدور و سبعة أيام من كل شهر عربي و يومين من كل شهر رومي و نحو ذلك، ففي كثير منها و خاصة فيما يتعرض لنحوسة أيام الأسبوع و أيام الشهور العربية تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مرة غير مطلوبة بحسب المذاق الديني كرحلة النبي صلی الله علیه و آله و شهادة الحسين علیه السلام و إلقاء إبراهيم علیه السلام في النار و نزول العذاب بأمة كذا و خلق النار و غير ذلك.

و معلوم أن في عدها نحسة مشئومة و تجنب اقتراب الأمور المطلوبة و طلب الحوائج التي يلتذ الإنسان بالحصول عليها فيها تحكيما للتقوى و تقوية للروح الدينية و في عدم الاعتناء و الاهتمام بها و الاسترسال في الاشتغال بالسعي في كل ما تهواه النفس في أي وقت كان إضرابا عن الحق و هتكا لحرمة الدين و إزراء لأوليائه فتئول نحوسة هذه الأيام إلى جهات من الشقاء المعنوي منبعثة عن علل و أسباب اعتبارية مرتبطة نوعا من الارتباط بهذه الأيام تفيد نوعا من الشقاء الديني على من لا يعتني بأمرها.

و أيضا قد ورد في عدة من هذه الروايات الاعتصام بالله بصدقة أو صوم أو دعاء أو قراءة شي ء من القرآن أو غير ذلك لدفع نحوسة هذه الأيام كما

عن مجالس ابن الشيخ، بإسناده عن سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس عن العسكري علیه السلام في حديث: قلت: يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد- لما ذكر فيها من النحس و المخاوف- فتدلني على الاحتراز من المخاوف فيها- فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟ فقال لي: يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة- لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة- و سباسب البيداء الغائرة بين سباع و ذئاب- و أعادي الجن و الإنس- لآمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز و جل و أخلص في الولاء لأئمتك الطاهرين- و توجه حيث شئت و اقصد ما شئت. الحديث. ثم أمره علیه السلام بشي ء من القرآن و الدعاء أن يقرأه- و يدفع به النحوسة و الشأمة و يقصد ما شاء.

و في الخصال، بإسناده عن محمد بن رياح الفلاح قال: رأيت أبا إبراهيم علیه السلام يحتجم يوم الجمعة- فقلت: جعلت فداك تحتجم يوم الجمعة؟ قال: أقرأ آية الكرسي- فإذا هاج بك الدم ليلا كان أو نهارا- فاقرأ آية الكرسي و احتجم.

و في الخصال، أيضا بإسناده عن محمد بن أحمد الدقاق قال: كتبت إلى أبي الحسن الثاني علیه السلام - أسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا تدور، فكتب علیه السلام: من خرج يوم الأربعاء لا تدور- خلافا على أهل الطيرة- وقي من كل آفة و عوفي من كل عاهة- و قضى الله له حاجته.

و كتب إليه مرة أخرى يسأله- عن الحجامة يوم الأربعاء لا تدور، فكتب علیه السلام: من احتجم في يوم الأربعاء لا تدور- خلافا على أهل الطيرة عوفي من كل آفة، و وقي من كل عاهة، و لم تخضر محاجمه.

و في معناها ما في تحف العقول،: قال الحسين بن مسعود: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد علیه السلام - و قد نكبت إصبعي و تلقاني راكب و صدم كتفي، و دخلت في زحمه فخرقوا علي بعض ثيابي- فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك. فقال علیه السلام لي: يا حسن هذا- و أنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له؟. قال الحسن: فأثاب إلى عقلي و تبينت خطئي- فقلت: يا مولاي أستغفر الله. فقال: يا حسن ما ذنب الأيام- حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، و هي توبتي يا بن رسول الله. قال: ما ينفعكم و لكن الله يعاقبكم بذمها- على ما لا ذم عليها فيه. أ ما علمت يا حسن- أن الله هو المثيب و المعاقب و المجازي- بالأعمال عاجلا و آجلا؟ قلت: بلى يا مولاي. قال: لا تعد- و لا تجعل للأيام صنعا في حكم الله. قال الحسن: بلى يا مولاي.

و الروايات السابقة- و لها نظائر في معناها- يستفاد منها أن الملاك في نحوسة هذه الأيام النحسات هو تطير عامة الناس بها و للتطير تأثير نفساني، و هذه الروايات تعالج نحوستها التي تأتيها من قبل الطيرة بصرف النفس عن الطيرة إن قوي الإنسان على ذلك، و بالالتجاء إلى الله سبحانه و الاعتصام به بقرآن يتلوه أو دعاء يدعو به إن لم يقو عليه بنفسه.

و حمل بعضهم هذه الروايات المسلمة لنحوسة بعض الأيام على التقية، و ليس بذاك البعيد فإن التشاؤم و التفاؤل بالأزمنة و الأمكنة و الأوضاع و الأحوال من خصائص العامة يوجد منه عندهم شي ء كثير عند الأمم و الطوائف المختلفة على تشتتهم و تفرقهم منذ القديم إلى يومنا و كان بين الناس حتى خواصهم في الصدر الأول في ذلك روايات دائرة يسندونها إلى النبي ص لا يسع لأحد أن يردها

كما في كتاب المسلسلات، بإسناده عن الفضل بن الربيع قال: كنت يوما مع مولاي المأمون- فأردنا الخروج يوم الأربعاء فقال المأمون: يوم مكروه سمعت أبي الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي عليا يقول: سمعت أبي عبد الله بن عباس يقول: سمعت رسول الله ص يقول: إن آخر الأربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.

و أما الروايات الدالة على الأيام السعيدة من الأسبوع و غيرها فالوجه فيها نظير ما تقدمت إليه الإشارة في الأخبار الدالة على نحوستها من الوجه الأول فإن في هذه الأخبار تعليل بركة ما عده من الأيام السعيدة بوقوع حوادث متبركة عظيمة في نظر الدين كولادة النبي ص و بعثته

و كما ورد: أنه علیه السلام دعا فقال: اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها و خميسها، و ما ورد: أن الله ألان الحديد لداود علیه السلام يوم الثلاثاء، و أن النبي ص كان يخرج للسفر يوم الجمعة، و أن الأحد من أسماء الله تعالى.

فتبين مما تقدم على طوله أن الأخبار الواردة في سعادة الأيام و نحوستها لا تدل على أزيد من ابتنائهما على حوادث مرتبطة بالدين توجب حسنا و قبحا بحسب الذوق الديني أو بحسب تأثير النفوس، و أما اتصاف اليوم أو أي قطعة من الزمان بصفة الميمنة أو المشأمة و اختصاصه بخواص تكوينية عن علل و أسباب طبيعية تكوينية فلا، و ما كان من الأخبار ظاهرا في خلاف ذلك فإما محمول على التقية أو لا اعتماد عليه.[1]

المنبع:

الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 71-72

 

[1]الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 71-72