اللبن
اللَّبَن : سائل أبيض، تُفرِزه أثداء إناث الحيوانات اللَّبُونة لتغذية صغارها.[1]
ذکر اللبن فی القرآن مرتین احداهما فی نعم الدنیا کما قال سبحانه: «وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبين »[2] .
نعلم أيضا بأن اللبن يترشح من غدد خاصة داخل ثدي الإناث، و مادته الأصلية تؤخذ من الدم و الغدد الدهنية.
فهذه المادة الناصعة البياض ذات القوة الغذائية العالية تنتج من الأغذية المهضومة المخلوطة بالفضلات، و من الدم.
يقول القرآن الكريم إنه يخرج من بين «فرث» الأغذية المهضومة داخل المعدة و «دم». و قد أثبت ذلك فيزيولوجيا: حيث أنه عند ما يتم هضم الغذاء داخل المعدة و يكون جاهزا للامتصاص ينتشر داخل المعدة و الأمعاء بشكل واسع و أمام الملايين من العروق الشعيرية، فتمتص منه العناصر المفيدة المطلوبة لتوصلها إلى تلك الشجرة ذات الجذور التي تنتهي عروقها عند عروق الثدي.
عند ما تتناول المرأة الحامل الغذاء تنتقل عصارته إلى الدم الذي يجري في عروقها حتى يصل نهاية العروق المجاورة لعروق الجنين ليتغذى الجنين بهذه الطريقة ما دام في بطن أمه، و عند ما ينفصل عن أمه يتحول طريق تغذيته إلى الثدي و هنا لا تستطيع الأم أن تصل دمها إلى دم ولدها، و لذلك ينبغي تصفية الغذاء و تغيير حالته بما ينسجم و الوضع الجديد للطفل، و هنا يتكون اللبن من بين فرث و دم، أي: من بين ما تتناوله الأم الذي يتحول إلى فرث و ما ينتقل من مواده إلى الدم ليتكون منه اللبن.
فاللبن في حقيقة شي ء وسط بين الفرث و الدم، فلا هو دم مصفى و لا هو غذاء مهضوم، و هو أعلى من الثاني و دون الأول...و ثمة مكونات أخرى للبن.
و مع أن إنتاج اللبن يكون عن طريق جذب المواد الغذائية بواسطة الدم، و من خلال الارتباط المباشر بين الدم و غدد الثدي، إلا أننا لا نلاحظ أي أثر لرائحة الفرث أو لون الدم فيه، بل يبدأ اللبن بالترشح من ثدي الأم بلون جديد و رائحة خاصة به.
و من لطيف ما ينقل عن العلماء المتخصصين أن إنتاج لتر واحد من اللبن في الثدي يحتاج بما لا يقل عن عبور 500 لتر من الدم خلال الثدي ليستطيع من امتصاص المواد اللازمة لإنتاج اللبن، كما يلزم لإنتاج لتر واحد من الدم عبور مواد غذائية كثيرة من الأمعاء و بهذا يتضح لنا معنى من بين فرث و دم كاملا.
اللبن ملي ء بالمواد الغذائية المختلفة التي تشكل مع بعضها مجموعة عذائية كاملة.
لقد أكدت الآيات أعلاه على ميزتين مهمتين للبن كونه «خالصا»، و «سائغا» أي لذيذا و سريع الهضم و كما هو المعروف عن اللبن من كونه غذاء كثير الفائدة على الرغم من قلة حجمه. و «خالص» أي خال من المواد الزائدة و بذات الوقت فهو سهل الهضم بالشكل الذي جعل ملائما لأي إنسان و على مختلف الأعمار منذ الطفولة حتى الشيخوخة و لهذا يعتمده المرضى كغذاء ملائم و مفيد و مقبول، و بالخصوص ما له من أثر فعال بالنسبة لنمو العظام، و لهذا يوصى بالإكثار من تناوله في حالات كسور العظام و ما شابهها.[3]
و الاخری فی نعم الجنة، کقوله سبحانه: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُه وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى »[4] .
يستفاد من القرآن أن في الجنة أنهارا و عيونا مختلفة، و لكل منها فائدة و لذة خاصة، و قد ورد ذكر أربعة منها هنا و التعبير بالأنهار يوحي بأن كلا منها ليس نهرا واحدا، بل أنهار عديدة. يمكن أن يكون الأول لرفع العطش، و أما الثاني كغذاء، و الثالث يبعث النشاط و الحيوية، و الرابعة يوجد القوة و اللذة. و الطريف أنه يستفاد من آيات القرآن الأخرى أن كل أصحاب الجنة لا يشربون من كل هذه الأشربة، بل أن لها مراتب يشرب أصحاب كل مرتبة من الأشربة الموجودة في درجتهم.[5]
المنابع:
الإفصاح فى فقه اللغة، ج 1، ص 380
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص 359
[1]الإفصاح فى فقه اللغة، ج 1، ص 380
[2]النحل: 66
[3]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 8، ص 232
[4]محمد: 15
[5]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص 359