إرم
المجموعات : الأمکنة

إرَم

لا خلاف بين العلماء في أنّ «إرم» اسم علم، باستثناء جماعة منهم زعموا أنّه واحد الآرام و الأروم، و هي الأعلام الّتي قيل: إنّ قوم عاد كانوا يبنونها كهيئة المنارة و كهيئة القبور، أو هي قبورهم. و زعموا أيضا أنّه من الأرم، أي القطع، و منه قوله: أرم بنو فلان، أي هلكوا. و انفرد مجاهد بالقول: إنّه القديمة أو القويّة.

و أمّا الّذين أصفقوا على علميّته انفضّوا إلى ثلاثة أقوال:

اسم بلدة. و اختلفوا فيها أيضا، فقالوا: هي دمشق، أو الإسكندريّة، أو بلدة باليمن بين حضرموت و صنعاء من بناء شدّاد بن عاد، أو بلدة بين عمان إلى حضرموت، و هي بلاد الرّمال المسمّاة بالأحقاف.

اسم شخص. و فيه أقوال: فقيل: هو عاد، و كان له اسمان، أو أبو عاد، أو جدّ عاد، أو لقب عاد، أو هو سام بن نوح عليه السّلام.

اسم قبيلة، أو أمّة، ثمّ قيل فيها: هي عاد الأولى، أو الأخيرة.

و ينبغي صرف «إرم» إن جعل اسم جنس من الإرم، أي العلم، أو الأرم أي الهلاك، أو صفة بمعنى القديمة أو القويّة. و إن جعل علما فلا يصرف، سواء كان اسم شخص أو اسم قبيلة أو اسم بلدة، للعجمة و التّعريف، أو للتّعريف و التّأنيث.

و يلحظ قرب قول من قال: بأنّه اسم شخص، من القول القائل: بأنّه اسم بلدة، لأنّ الأوّل نظر إلى أوّل من وضع له هذا الاسم، و هو إرم بن سام بن نوح، و الثّاني ناظر إلى ما نقل إليه هذا الاسم بغضّ النّظر عن الأصل، و كلاهما واحد، لأنّ اسم البلدة اكتسب من المسمّى، كما سمّيت الإسكندريّة بهذا الاسم نسبة إلى الإسكندر المقدونيّ.

و يطلق العبريّون اسم «أرام» على البلاد الواقعة شمال فلسطين، و قد ورد هذا اللّفظ في العهد القديم مقرونا بأسماء عدّة مدن من تلك البلاد، منها «أرام دمشق ». أمّا السّريانيّون فإنّهم يطلقون هذا اللّفظ على سوريا بالخصوص.

و «إرم» لفظ سريانيّ معرّب «أرم» بفتح الهمزة، و هم يطلقونه على سوريا أيضا، و كانت قديما موطنا لهم. و كانوا يعرفون بالأراميّين، و لكن تسميتهم تغيّرت فيما بعد إلى سريانيّين.

و لعلّ «إرم» هي مدينة دمشق، لأنّها كانت و لا زالت حاضرة سوريا.

قال تعالی:« أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلاد»[1] يفيد سياق الآيات أنّ (عاد) هنا نفس القوم الّذين ورد ذكرهم مع (ثمود) و أنّ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ بلد أو بلاط عظيم لعاد لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ من كثرة الأعمدة. فلا عبرة بما یشير إلى أنّ (عاد) غير هؤلاء القوم المعهودين، أو أنّ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ هي الإسكندريّة أو دمشق أو غيرهما، أو هي اسم للقوم لا للبلد، أو غير ذلك من المسمّيات.

و يشير القرآن إلى حضارة هؤلاء القوم وسعة عيشهم في الآيات التّالية: «أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ... وَ اتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ وَ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ » [2] كما أنّ القرآن يذكر قوم ثمود بأنّهم بجنّاتهم و قصورهم خلفاء قوم عاد: «وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً»[3] . و ليس ببعيد أن تكون لعاد بلدة عظيمة ذات أعمدة و ربّما تكشف عنها الحفريّات الأثريّة في العاجل القريب أو الآجل البعيد.[4]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سرّ بلاغته، ج 2، ص 224

 

[1]الفجر: 6- 12

[2]الشّعراء: 128- 134.

[3]الأعراف: 74

[4]المعجم فى فقه لغه القرآن و سرّ بلاغته، ج 2، ص 224