النفخة الثانية

النفخة الثانیة

نفخ الصور فی القیامة نفختان الاولی للإماتة و الثانیة للإحیاء.

قال تعالی فیهما :«وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُون »[1] . تذكر الآیة إحدى الميزات المهمة لیوم القیامة، إذ تبدأ الحديث بنهاية الحياة في الدنيا، يتضح بصورة جيدة منها أن حادثتين تقعان مع نهاية العالم و عند البعث، في الحادثة الأولى يموت الأحياء فورا، و في الحادثة الثانية يعود كل الناس إلى الحياة مرة اخرى، و يقفون بانتظار الحساب. القرآن المجيد عبر عن هاتين الحادثتين بنفخ الصور، و هذا التعبير كناية عن الحوادث المفاجئة و المتزامنة التي ستقع. و یبین سهولة الأمر و یوضح كيف أن البارئ عز و جل من خلال أمر بسيط و هو النفخ في الصور يميت كل من في السماء و الأرض، و كيف أنه يبعثهم من جديد بنفخة صور اخرى.

فهاهنا مسائل:

ما المراد بالنفختین؟

ورد الحديث عن النفخ في الصور في أكثر من عشر آيات . في إحداها استخدمت عبارة النفر في الناقور، و في بعضها استخدمت عبارة القارعة، و أخيرا استخدمت في بعضها عبارة «صحية» و تعني الصوت العظيم، و تقع في نهاية العالم و تفاجئ كل بني آدم ثم التي تبعث الناس من جديد و تحضرهم إلى محكمة العدل الإلهية.

فمن مجموع هذه الآيات يمكن أن يستشف بأن نهاية أهل السموات و الأرض تتم بعد صيحة عظيمة و هي صيحة الموت و أنهم يبعثون من جديد و هم قيام بصيحة عظيمة أيضا، و هذه هي صيحة بعث الحياة.

و أما كيف تكون هاتان الصيحتان؟ و ما هي آثار الصيحة الأولى و تأثير الصيحة الثانية؟ فلا علم لأحد بهما إلا الله سبحانه و تعالى.

على أية حال، فإن أكثر المفسرين اعتبروا النفخ في الصور كناية لطيفة عن كيفية نهاية العالم و بدء البعث، و لكن مجموعة قليلة من المفسرين قالوا: إن صور هي جمع صورة و طبقا لهذا القول، فقد اعتبروا النفخ في الصور يعني النفخ في الوجه، مثل نفخ الروح في بدون الإنسان، و وفق هذا التفسير ينفخ مرة واحدة في وجوه بني آدم فيموتون جميعا، و ينفخ مرة اخرى فيبعثون جميعا.

هل أن النفخ في الصور يتم مرتين، أو أكثر؟

المشهور بين علماء المسلمين أنه يتم مرتين فقط، و ظاهر الآية يوضح هذا أيضا، كما أن مراجعة آيات القرآن الأخرى تبين أن هناك نفختين فقط، لكن البعض قال: إنها ثلاث نفخات، و البعض الآخرة قال: إنه أربع.

و الحقيقة أنه ليس هناك أكثر من نفختين، و مسألة الفزع و الرعب العام في الواقع هي مقدمة لموت جميع البشر و الذي يتم بعد النفخة الأولى أو الصيحة الأولى، كما أن نفخة الجميع هي تتمة لنفخة الإحياء و البعث، و بهذا الشكل فلا يوجد أكثر من نفختين (نفخة الموت) و (نفخة الإحياء)، و هناك شاهد آخر على هذا القول و هو الآيتان 6 و 7 من سورة النازعات، اللتان تقولان: «يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة».

هل تقع النفختان فجائية؟

آيات القرآن الكريم توضح بصورة جيدة أن النفختين تقعان بصورة مفاجئة، و النفخة الأولى تكون فجائية بحيث أن مجموعة كبيرة من الناس تكون منشغلة بالتجارة و الجدال و النقاش في أموالهم و بيعهم و شرائهم، و فجأة يسمعون الصيحة، فيسقطون في أماكنهم ميتين، « إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون» . و أما (الصيحة الثانية) فآيات القرآن الكريم تبين بأنها تقع فجأة أيضا.

ما هي الفاصلة الزمنية بين النفختين؟

الآيات القرآنية لم تذكر توضيحا حول هذا الأمر، سوى كلمة (ثم) التي وردت ضمن آية بحثنا و التي تدل على وجود فاصل زمني بين النفختين، إلا أن بعض الروايات ذكرت بأن هذه الفاصلة مقدارها (40) عاما. و المجهول بالنسبة لنا هو معيار هذه السنين، فهل هي سنوات اعتيادية كالتي نعيشها نحن، أم أنها سنوات و أيام كسنوات و أيام القيامة.[2]

المنبع:

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 15، ص 149

 

[1]الزمر: 68

[2]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 15، ص 149