الإسلام
الإسلام قد یطلق و یراد به التسلیم لوجه الله و هذا المعنی له مراتب. و قد یطلق و یراد به شریعة الاسلام الذی جاء به خاتم النبیین صلی الله علیه وآله و هی اکمل الشرائع الإلهیة، و هذا المعنی یرجع الی المعنی الأول فإن الدین عند الله الإسلام.
قال الراغب: الاسلام الدّخول في السّلم، و هو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه. و الاسلام في الشّرع على ضربين:
أحدهما: دون الإيمان، و هو الاعتراف باللسان، و به يحقن الدّم، حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، و إيّاه قصد بقوله: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا»[1] .
و الثاني: فوق الإيمان، و هو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، و وفاء بالفعل، و استسلام للّه في جميع ما قضى و قدّر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله: «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ »[2] و قوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الاسلام»[3] .[4]
و قال فی المیزان: الإسلام و التسليم و الاستسلام بمعنى واحد، من السلم، و أحد الشيئين إذا كان بالنسبة إلى الآخر بحال لا يعصيه و لا يدفعه فقد أسلم و سلم و استسلم له. اسلام الإنسان له تعالى هو وصف الانقياد و القبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني، من قدر و قضاء، أو تشريعي من أمر أو نهي أو غير ذلك، و من هنا كان له مراتب بحسب ترتب الواردات بمراتبها:
الأولى: من مراتب الإسلام، القبول لظواهر الأوامر و النواهي بتلقي الشهادتين لسانا، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ»[5] و يتعقب الإسلام بهذا المعنى أول مراتب الإيمان و هو الإذعان القلبي بمضمون الشهادتين إجمالا و يلزمه العمل في غالب الفروع.
الثانية: ما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى، و هو التسليم و الانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية و ما يتبعها من الأعمال الصالحة و إن أمكن التخطي في بعض الموارد، قال الله تعالى في وصف المتقين: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِينَ»[6] الإسلام ما يتأخر عن الإيمان محققا فهو غير المرتبة الأولى من الإسلام، و يتعقب هذا الإسلام المرتبة الثانية من الإيمان و هو الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية، قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ»[7] و فيه إرشاد المؤمنين إلى الإيمان، فالإيمان غير الإيمان.
الثالثة: ما يلي الإيمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالإيمان المذكور و تخلقت بأخلاقه تمكنت منها و انقادت لها سائر القوى البهيمية و السبعية، و بالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا و زخارفها الفانية الداثرة، و صار الإنسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، و لم يجد في باطنه و سره ما لا ينقاد إلى أمره و نهيه أو يسخط من قضائه و قدره، قال الله سبحانه: «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»[8] و يتعقب هذه المرتبة من الإسلام المرتبة الثالثة من الإيمان و ربما عدت المرتبتان الثانية و الثالثة مرتبة واحدة. و الأخلاق الفاضلة من الرضاء و التسليم، و الحسبة و الصبر في الله، و تمام الزهد و الورع، و الحب و البغض في الله، من لوازم هذه المرتبة.
الرابعة: ما يلي، المرتبة الثالثة من الإيمان فإن حال الإنسان و هو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام، و هو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه و يرتضيه، و الأمر في ملك رب العالمين لخلقه أعظم من ذلك و أعظم و إنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشي ء من الأشياء لا ذاتا و لا صفة، و لا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبرياؤه. فالإنسان- و هو في المرتبة السابقة من التسليم- ربما أخذته العناية الربانية فأشهدت له أن الملك لله وحده لا يملك شي ء سواه لنفسه شيئا إلا به لا رب سواه، و هذا معنى وهبي، و إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيه، و لعل قوله تعالى: «رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَ أَرِنا مَناسِكَنا» إشارة إلى هذه المرتبة من الإسلام فإن قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ، أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ الآية ظاهره أنه أمر تشريعي لا تكويني، فإبراهيم كان مسلما باختياره، إجابة لدعوة ربه و امتثالا لأمره، و قد كان هذا من الأوامر المتوجهة إليه (ع) في مبادئ حاله، فسؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الإسلام و إراءة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده فالإسلام المسئول في الآية هو هذه المرتبة من الإسلام
و يتعقب الإسلام بهذا المعنى المرتبة الرابعة من الإيمان و هو استيعاب هذا الحال لجميع الأحوال و الأفعال، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ»[9] فإن هؤلاء المؤمنين المذكورين في الآية يجب أن يكونوا على يقين من أن لا استقلال لشي ء دون الله، و لا تأثير لسبب إلا بإذن الله حتى لا يحزنوا من مكروه واقع، و لا يخافوا محذورا محتملا، و إلا فلا معنى لكونهم بحيث، لا يخوفهم شي ء، و لا يحزنهم أمر، فهذا النوع من الإيمان بعد الإسلام المذكور.[10]
المنابع:
مفردات ألفاظ القرآن، ص 424
الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 302
[1]الحجرات: 14
[2]البقرة: 121
[3]آل عمران: 19
[4]مفردات ألفاظ القرآن، ص 424
[5]الحجرات:14
[6]الزخرف: 69
[7]الصف: 11
[8]النساء: 65
[9]یونس: 62
[10]الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 302