القدَریّة
إنّ لفظ القدرية منسوب إلى القدر و أصحاب المقالات فسّروه بنفاة القدر.[1]
مسألة القدر من المسائل التي وقع الكلام فيها في الصدر الأول فأنكر قوم القدر و هو أن لإرادة الله سبحانه تعلقا ما بأعمال العباد و أثبتوا المشية و القدرة المستقلتين للإنسان في فعله و أنه هو الخالق له المستقل به، و سموا بالقدرية أي المتكلمين في القدر، و قد روى الفريقان عن النبي ص أنه قال: «القدرية مجوس هذه الأمة» و انطباقه عليهم واضح فإنهم يثبتون للأعمال خالقا هو الإنسان و لغيرها خالقا هو الله سبحانه و هو قول الثنوية و هم المجوس بإلهين اثنين: خالق للخير، و خالق للشر. و قد أول المعتزلة و هم النافون للقدر الرواية بأن المراد بالقدرية المثبتون للقدر، و هم كالمجوس في إسنادهم الخير و الشر كله إلى خالق غير الإنسان.[2]
ثم إنّ الذين اتّهموا بالقدرية في أيام الأُمويّين كانوا دعاة الحرية، ويقولون بأنّ الإنسان مخيّر في تفكيره وعمله وليس بمسيّر، فاستنتج المخالفون لهؤلاء الجماعة انّهم من نفاة القضاء والقدر، وكأَنّ القول بالحرية لا يجتمع مع القول بالتقدير. ثم إنّهم لم يقتصروا على ذلك فرووا عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «القدرية مجوس هذه الأُمّة» فقالوا المراد هذه الطائفة، أي دعاة الحرية ونفاة الجبر.
إنّ العصر الأُموي كان يسوده القول بالجبر الّذي يصوّر الإنسان والمجتمع انهما مسيّران لا مخيّران، وأن كل ما يجري في الكون من صلاح وفساد، وسعة وضيق وجوع وكظّة وصلح وقتال بين الناس أمر حتمي قضي به عليهم، وليس للبشر فيه أيّ صنع وتصرّف.
وقد اتّخذت الطغمة الأُمويّة هذه الفكرة غطاءً لأفعالهم الشنيعة حتّى يسدّوا بذلك باب الاعتراض على أفعالهم، بحجّة انّ الاعتراض عليهم اعتراض على صنعه سبحانه وقضائه وقدره، وانّ اللَّه سبحانه فرض على الإنسان حكم ابن آكلة الأكباد وابنه السكّير، وأبناء البيت الأُموي الخبيث يعيشون عيشة رغد ورخاء وترف، ويعيش الآخرون حياة البؤس والشقاء.
وعلى ذلك فمن سجلت أسماؤهم في القدرية لم يكن لهم ذنب سوى انّهم كانوا دعاة الحرية ونفاة الجبر. فانّ تفسير القدرية في حق هؤلاء بتفويض الإنسان إلى نفسه وأفعاله وانّه ليس للَّه أي صنع في فعله، تفسير جديد حدث بعد هؤلاء، فلم يكن لمعبد الجهني وغيلان الدمشقي والقاضي عطاء بن يسار وغيرهم إلّانقد الفكرة الفاسدة، وهي كون الإنسان والمجتمع مسيّراً لا مخيّراً، لا يسأل عن أفعاله.[3]
و بعد هذا فقد روی فی شأن القدریة روایات فعن أبي جعفر علیه السلام في قوله: «و الذين كذبوا بآياتنا صم و بكم من يشأ الله يضلله و من يشأ يجعله على صراط مستقيم »[4] هو رد على قدرية هذه الأمة يحشرهم الله يوم القيامة من الصابئين و النصارى و المجوس فيقولون «ربنا ما كنا مشركين» يقول الله: «انظر كيف كذبوا على أنفسهم و ضل عنهم ما كانوا يفترون » قال فقال رسول الله: ألا إن لكل أمة مجوسا و مجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر و يزعمون أن المشية و القدرة إليهم و لهم.[5]
و عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن القدرية مجوس هذه الأمة و هم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه و فيهم نزلت هذه الآية: «يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شي ء خلقناه بقدر»[6] و المراد بالقدرية النافون للقدر و هم المعتزلة القائلون بالتفويض، و کونهم مجوس هذه الأمة لقولهم إن خالق الأفعال الاختيارية هو الإنسان و الله خالق لما وراء ذلك فأثبتوا إلهين اثنين كما أثبتت المجوس إلهين اثنين خالق الخير و خالق الشر. المراد جري الآيات فيهم دون كونهم سببا للنزول و موردا له.[7]
المنابع:
الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 90
المذاهب الاسلامية (للسبحانی)، ص 78
[1]المذاهب الاسلامية (للسبحانی)، ص 78
[2]الميزان في تفسير القرآن، ج 7، ص 107
[3]المذاهب الاسلامية (للسبحانی)، ص 78
[4]الانعام: 39
[5]الميزان في تفسير القرآن، ج 7، ص 107
[6]القمر: 48 - 49
[7]الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 90