سعد بن أبي وقّاص
هو أبو إسحاق سعد بن أبي وقّاص، مالك بن وهيب، و قيل: أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب القرشي، الزهري، المكّي، المدني، و أمّه حمنة بنت سفيان بن أميّة بنت عمّ أبي سفيان بن حرب.
صحابيّ معروف، و من مشاهير القادة و الولاة، و أحد كتّاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و من حذّاق الرماة في وقته، و يعدّه العامّة من العشرة المبشّرة بالجنّة.
أسلم و عمره 17 سنة، و كتب كتاب النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى يهود خيبر. آخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين مصعب بن عمير، و بينه و بين سعد بن معاذ.
ولّاه عمر بن الخطاب أيّام حكومته قيادة الجيوش التي سيّرها لمحاربة الفرس بالقادسية و جلولاء، فافتتح المدائن، و بنى مدينة الكوفة، ثم ولّاه عمر عليها، ثم عزله عنها؛ لكثرة شكوى الناس منه.
لمّا حضرت عمر الوفاة عيّنه من جملة الستة الذين رشّحهم للخلافة من بعده.
و لمّا حكم عثمان بن عفان ولّاه الكوفة، ثم عزله عنها.
سمع من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحاديث كثيرة في فضائل و مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فلما قتل عثمان لزم بيته و امتنع عن مبايعة و نصرة الإمام عليه السّلام، بل ألحّ على خذلانه و القعود عنه.
و لما تولّى الإمام عليه السّلام الخلافة كتب إلى واليه على المدينة بأن لا يعطي المترجم له و لا عبد اللّه بن عمر من الفي ء شيئا؛ لانحرافهما عن جادّة الحق و الصواب.
بنى دارا ضخمة بالعقيق قرب المدينة و سكنها.
كان يدّعي بأنّه أول من رمى سهما في سبيل اللّه ...
في أواخر أيّامه فقد بصره و عمي، و لم يزل حتى مات بالعقيق سنة 55 ه، و قيل: سنة 58 ه، و قيل: سنة 54 ه، و قيل: سنة 51 ه، و قيل: سنة 56 ه، و قيل: سنة 57 ه، و دفن بالبقيع في المدينة المنوّرة.
و يقال: مات على أثر السّم الذي دسّه إليه معاوية بن أبي سفيان، و ذلك بعد أن حضر مجلسا له، فأخذ معاوية يسبّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فلما سمعه سعد أخذ يبكي و يذكر بعض الفضائل للإمام عليه السّلام.
و كان عمره يوم مات قد جاوز الثمانين، و قيل: عاش 73 سنة.
حدّث عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أحاديث، و روى عنه جماعة.
القرآن المجيد و سعد بن أبي وقاص:
كان هو و جماعة من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله يلقون أذى كثيرا من المشركين، فكانوا يطلبون من النبي صلّى اللّه عليه و آله الانتقام منهم و مقاتلتهم، فكان صلّى اللّه عليه و آله يقول لهم: كفّوا أيديكم عنهم، فإنّي لم أؤمر بقتالهم، فلما هاجر النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة نزل الوحي إلى النبي من السماء بقتالهم، فطلب النبي صلّى اللّه عليه و آله من المسلمين قتال المشركين، فكرهه بعضهم، و شق عليهم ذلك، و من بينهم المترجم له، فنزلت فيهم الآية 77 من سورة النساء: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ ...».
في أحد الأيام شرب هو و رجل من الأنصار الخمر حتى سكرا، فقام الأنصاريّ و ضرب رأس المترجم له بقطعة من العظم فجرحه، فنزلت الآية 91 من سورة المائدة: «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ ...».
و شملته الآية 52 من سورة الأنعام: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ...».
كان من جملة الذين أرادوا أن يغدروا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و يدفعوه عن راحلته إلى الوادي بعد منصرفه من تبوك، فنزلت فيه و فيهم الآية 74 من سورة التوبة: «وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ...».
و نزلت فيه الآية 23 من سورة الإسراء: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».
كان من عائلة كلّهم كفّار و مشركون، فلما أسلم قالت له أمّه- و هي كافرة-: يا سعد! ما هذا الدين الذي أحدثت، لتدعنّ دينك هذا أو لا آكل و لا أشرب حتى أموت فتعيّر بي، فأجابها المترجم له: لا تفعلي يا أمّاه، فإنّي لا أدع ديني، فمكثت يوما و ليلة و هي لا تأكل و لا تشرب، فأصبحت و قد جهدت من الجوع و العطش، فقال لها سعد: و اللّه! لو كانت لك ألف نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فلما رأت ذلك أكلت و شربت، فأنزل اللّه تعالى الآية 8 من سورة العنكبوت: «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ...».
و لنفس السبب السابق نزلت فيه الآية 15 من سورة لقمان: «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..».[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 441-443
[1]أعلام القرآن، ص 441-443