الرَجعة

الرجعة

الرَّجْعَة: المرة في الرجوع بعد الموت بعد ظهور المهدي. و هي من ضروريات مذهب الإمامية و عليها من الشواهد القرآنية و أحاديث أهل البيت ما هو أشهر من أن يذكر. و قد أنكر الجمهور حتى قال في النهاية الرَّجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية و طائفة من فرق المسلمين و أهل البدع و الأهواء، و من جملتهم طائفة من الرافضة.[1]

الرجعة من عقائد الشيعة المعروفة، و تفسيرها في عبارة موجزة ان بعد ظهور المهدي عليه السّلام و بين يدي القيامة، يعود طائفة من المؤمنين الخلّص، و طائفة من الكفار الأشرار، إلى هذه الدنيا فالطائفة الأولى تصعد في مدارج الكمال و الطائفة الثّانية تنال عقابها الشديد.

لا ريب أنّ إحياء جماعة من الموتى في هذه الدنيا ليس محالا كما أن إحياء جميع البشر في يوم القيامة ممكن، و التعجب من هذه المسألة كتعجب المشركين من أهل الجاهلية من مسألة المعاد، و السخرية منها كالسخرية من المعاد.

جاء ذكر الرجعة في القرآن المجيد إجمالا، و وقوعها في خمسة مواطن في شأن الأمم السالفة:

في ما يتعلق بالنّبي الذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها، و عظام أهلها نخرة متفرقة هنا و هناك. فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه. [2]

فی جماعة أخرى خرجت من ديارها خوفا من الموت، و امتنعت من الذهاب إلى سوح القتال بحجّة مرض الطاعون، فأماتها اللّه ثمّ أحياها. «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ »[3] .

فی بني إسرائيل : «وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ »[4] .

فی معاجز عيسى : «وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي »[5] .

فی مقتل رجل من بني إسرائيل و وقوع الجدال و النزاع في شأن قاتله، و ما أمرهم اللّه أن يفعلوه بضرب القتيل ببعض البقرة: «وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»[6] .

و بالإضافة إلى هذه المواطن فهناك مواطن أخر في القرآن، منها قصّة أصحاب الكهف، و هي قصّة تشبه الرجعة. و قصّة الأربعة من الطير التي أمر إبراهيم أن يذبحها فأتينه سعيا بعد ذبحهن و تفريقهن على رأس كل جبل جزءا منهنّ، ليتّضح له إمكان المعاد للناس و يكون مجسدا برجوع هذه الطيور إلى الدنيا.

و على كل حال كيف يمكن أن يؤمن الشخص بالقرآن و أنّه كتاب سماوي، ثمّ ينكر هذه الآيات الواضحة في الرجعة؟ و هل الرجعة إلّا العودة للحياة بعد الموت؟ أو ليست الرجعة مثلا مصغرا من القيامة في هذه الدنيا.

ما ذكرناه يثبت إمكان الرجعة، و أمّا ما يؤيد وقوعها فروايات كثيرة نقلها الثقات عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام. يقول العلّامة المجلسي: تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيّف و أربعون من الثقات العظام و العلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم. فإذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي أيّ شي ء يمكن دعوى التواتر.

ثم إنّ أهم سؤال يثار في هذا الصدد، هو: ما الهدف من الرجعة قبل يوم القيامة؟ و مع ملاحظة ما يستفاد من الرّوايات الإسلامية من أنّ هذا الموضوع ليس عامّا بل يختصّ بالمؤمنين الخلّص الذين هم في مرحلة عالية من الإيمان، و الكفار و الطغاة الظلمة الذين هم في مرحلة منحطة من الكفر و الظلم فيبدو أن الرجعة لهاتين الطائفتين للدنيا ثانية هي من أجل إكمال الطائفة الأولى حلقتها التكاملية، و أن تذوق الطائفة الثّانية جزاءها الدنيوي.

و بتعبير آخر: إن الطائفة المؤمنة «خالصة الإيمان» الذين واجهوا الموانع و العوائق في مسير تكاملهم المعنوي في حياتهم و لم يتكاملوا الكمال اللائق باستعدادهم، فإنّ حكمة اللّه تقتضي أن يتكاملوا عن طريق الرجعة لهذه الدنيا و أن يكونوا شهداء الحكومة العالميّة للحقّ و العدل، و أن يساهموا في بناء هذه الحكومة، لأنّ المساهمة في بناء مثل هذه الحكومة من أعظم الفخر.

و على عكس الطائفة الآنفة الذكر، هناك طائفة من المنافقين و الجبابرة المعاندين، ينبغي أن ينالوا جزاءهم الدنيوي بالإضافة إلى جزاءهم الأخروي، كما ذاق قوم فرعون و ثمود و عاد و قوم لوط جزاءهم و لا طريق لأن يذوقوا عذاب الدنيا إلّا بالرجعة.

يتصور بعضهم أنّ الإعتقاد بالرجعة لا ينسجم و أصل حرية الإرادة و الإختيار عند البشر. و ممّا بيّناه آنفا يتّضح أنّ هذا اشتباه محض، لأنّ رجوع من يرجع إلى هذه الدنيا سيكون في ظروف طبيعية، و يتمتع بحرية كاملة.

و ما يقوله بعضهم بأنّه من الممكن أن يتوب الجبابرة و الكفار المعاندون بعد الرجعة و يعودوا إلى الحق، فجوابه أنّ هؤلاء الأفراد غارقون في الظلم و الفساد و الكفر بحيث أن هذه الأمور مندمجة مع روحهم و نسيجهم و لا يتصور توبتهم يقول تعالی: «وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ »[7] كما يتّضح الجواب على إشكال بعضهم من أنّ الرجعة لا تنسجم مع قوله: «رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها»[8] . فالجواب على هذا الإشكال، أن هذه الآية عامة و الرجعة خاصة.

و ينبغي الالتفات إلى أن هناك خرافات تمتزج أحيانا بالرجعة فتشوّه وجهها في نظر البعض، فينبغي أن نعول على الأحاديث الإسلامية الصحيحة في الشأن، و أن نتجنب الأحاديث المطعون فيها أو المشكوكة.[9]

المنابع:

مجمع البحرين، ج 4، ص 333

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 12، ص 141

 

[1]مجمع البحرين، ج 4، ص 333

[2]البقرة: 259

[3]البقرة: 243

[4]البقرة: 56

[5]المائدة: 110

[6]البقرة: 73

[7]الانعام: 28

[8]المؤمنون: 100

[9]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 12، ص 141