بابِل
المجموعات : الأمکنة

بابل

بكسر الباء: اسم ناحية منها الكوفة و الحلّة، ينسب إليها السحر و الخمر، و قال المفسرون في قوله تعالى: «و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت» (البقرة/102)، قيل بابل العراق، و قيل بابل دنباوند، و قال أبو الحسن: بابل الكوفة، و قال أبو معشر: الكلدانيون هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأول، و يقال: إن أول من سكنها نوح، عليه السلام، و هو أول من عمرها، و كان قد نزلها بعقب الطوفان، فسار هو و من خرج معه من السفينة إليها لطلب الدّف ء، فأقاموا بها و تناسلوا فيها و كثروا من بعد نوح، و ملّكوا عليهم ملوكا، و ابتنوا بها المدائن، و اتصلت مساكنهم بدجلة و الفرات، إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر، و من الفرات إلى ما وراء الكوفة، و موضعهم هو الذي يقال له السواد، و كانت ملوكهم تنزل بابل، و كان الكلدانيون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا آخر ملوكهم، ثم قتل منهم خلق كثير فذلوا و انقطع ملكهم، و قال يزدجرد بن مهبندار: تقول العجم: إن الضحاك الملك الذي كان له بزعمهم ثلاثة أفواه و ستّ أعين، بنى مدينة بابل العظيمة، و كان ملكه ألف سنة إلا يوما واحدا نصفا، و هو الذي أسره أفريدون الملك و صيّره في جبل دنباوند، و اليوم الذي أسره فيه يعده المجوس عيدا، و هو المهرجان، قال: فأما الملوك الأوائل أعني ملوك النبط و فرعون إبراهيم فإنهم كانوا نزلا ببابل، و كذلك بخت نصّر، الذي يزعم أهل السير أنه ممّن ملك الأرض بأسرها، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث إلى بابل فسكنها، قال أبو المنذر هشام بن محمد: إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك، و كان بابها مما يلي الكوفة، و كان الفرات يجري ببابل حتى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم عليه سور المدينة، لأنه كان يجري معه، قال: و مدينة بابل بناها بيوراسب الجبار و اشتق اسمها من اسم المشتري، لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري، و لما استتمّ بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من العلماء و بنى لهم اثني عشر قصرا، على عدد البروج، و سماها بأسمائهم، فلم تزل عامرة حتى كان الإسكندر، و هو الذي خرّبها.

عن أنس بن مالك، قال: لما حشر الله الخلائق إلى بابل، بعث إليهم ريحا شرقية و غربية و قبلية و بحرية، فجمعهم إلى بابل، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له، إذ نادى مناد: من جعل المغرب عن يمينه و المشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء، فقام يعرب ابن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو، فكان أول من تكلم بالعربية، و لم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا و كذا فله كذا و كذا، حتى افترقوا على اثنين و سبعين لسانا، و انقطع الصوت و تبلبلت الألسن، فسميت بابل، و كان اللسان يومئذ بابليّا، و هبطت ملائكة الخير و الشر و ملائكة الحياء و الإيمان و ملائكة الصحة و الشقاء و ملائكة الغنى و ملائكة الشرف و ملائكة المروءة و ملائكة الجفاء و ملائكة الجهل و ملائكة السيف و ملائكة البأس، حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة و مكة، فقال ملك الحياء: و أنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الإيمان و الحياء ببلد رسول الله، صلى الله عليه و سلم، و قال ملك الشقاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: و أنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الشقاء و الصحة في الأعراب، و قال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: و أنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الجفاء و الجهل في البربر، و قال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: و أنا معك، و قال ملك الغنى: أنا أقيم ههنا، فقال ملك المروءة: و أنا معك، و قال ملك الشرف: و أنا معكما، فاجتمع ملك الغنى و المروءة و الشرف بالعراق. قلت: هذا خبر نقلته على ما وجدته، و الله المستعان عليه.

و قد روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سأل دهقان الفلّوجة عن عجائب بلادهم، فقال:كانت بابل سبع مدن، في كل مدينة أعجوبة ليست في الأخرى، فكان في المدينة التي نزلها الملك بيت فيه صورة الأرض كلها برساتيقها و قراها و أنهارها، فمتى التوى أحد بحمل الخراج من جميع البلدان، خرق أنهارهم فغرّقهم و أتلف زروعهم و جميع ما في بلدهم حتى يرجعوا عما هم به، فيسد بإصبعه تلك الأنهار فيستدّ في بلدهم. و في المدينة الثانية حوض عظيم، فإذا جمعهم الملك لحضور مائدته حمل كل رجل ممن يحضره من منزله شرابا يختاره، ثم صبه في ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشراب شرب كل واحد شرابه الذي حمله من منزله. و في المدينة الثالثة طبل معلق على بابها، فإذا غاب من أهلها إنسان و خفي أمره على أهله و أحبوا أن يعلموا أحي صاحبهم أم ميت، ضربوا ذلك الطبل، فإن سمعوا له صوتا فإن الرجل حيّ، و إن لم يسمعوا له صوتا فإن الرجل قد مات.

و في المدينة الرابعة مرآة من حديد، فإذا غاب الرجل عن أهله و أحبوا أن يعرفوا خبره على صحته، أتوا تلك المرآة فنظروا فيها فرأوه على الحال التي هو فيها. و في المدينة الخامسة أوزّة من نحاس على عمود من نحاس منصوب على باب المدينة، فإذا دخلها جاسوس صوّتت الأوزّة بصوت سمعه جميع أهل المدينة، فيعلمون أنه قد دخلها جاسوس. و في المدينة السادسة قاضيان جالسان على الماء، فإذا تقدّم إليهما الخصمان و جلسا بين أيديهما غاص المبطل منهما في الماء. و في المدينة السابعة شجرة من نحاس ضخمة كثيرة الغصون لا تظلّ ساقها، فإن جلس تحتها واحد أظلّته إلى ألف نفس، فإن زادوا على الألف، و لو بواحد، صاروا كلّهم في الشمس. قلت و هذه الحكاية كما ترى خارقة للعادات، بعيدة من المعهودات، و لو لم أجدها في كتب العلماء لما ذكرتها. و جميع أخبار الأمم القديمة مثله، و الله أعلم.[1]

المنبع:

معجم البلدان، ج 1، ص310

 

[1]معجم البلدان، ج 1، ص310