عائشة بنت أبي بكر
هي أم عبد اللّه عائشة بنت أبي بكر، عبد اللّه بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة القرشيّة، التيميّة، المكّية، و أمّها أمّ رومان بنت عامر الكنانيّة.
إحدى زوجات النبي صلّى اللّه عليه و آله، عرفت بالدهاء، و كثرة السخرية و الاستهزاء من باقي نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله، شديدة الحسد و الغيرة منهنّ.
اشتهرت بالفصاحة و البلاغة و الذكاء، و كانت على جانب من الحسن و الجمال، أديبة شاعرة.
ولدت بمكّة حدود السنة الثامنة قبل الهجرة.
أسلمت في صغر سنّها، و تزوّجها النبي صلّى اللّه عليه و آله بمكّة بعد وفاة السيدة خديجة بنت خويلد عليها السّلام، و ذلك قبل الهجرة بسنتين، و قيل: بثلاث سنوات، و عمرها يومئذ ستّ سنوات، و قيل: سبع، و دخل بها بالمدينة في شهر شوّال في السنة الأولى من الهجرة، و هي بنت تسع سنوات.
كانت كأبيها منحرفة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، معادية له و لأولاده و أهل بيته، لا سيّما فاطمة الزهراء عليها السّلام، فكانت تعاديها و تحسدها و تنتقص من أمّها السيّدة خديجة عليها السّلام.
في أحد الأيّام دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله على ابنته الزهراء عليها السّلام فرآها تبكي و عندها عائشة، فقال صلّى اللّه عليه و آله لها: ما يبكيك؟ فقالت عليها السّلام: إنّ عائشة ذكرت أمّي فتنقّصتها فبكيت، فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم قال: مه يا حميرا! فإنّ اللّه تبارك و تعالى بارك في الولود الودود، و إنّ خديجة- رحمها اللّه- ولدت منّي طاهرا، و هو عبد اللّه و هو المطهر، و ولدت منّي القاسم و فاطمة عليها السّلام و رقيّة و أمّ كلثوم و زينب، و أنت ممّن أعقم اللّه رحمها، فلم تلدي شيئا.
و في أحد الأيّام دخلت عليها امرأة مسكينة و معها شي ء تريد أن تهديه إليها، فكرهت قبوله، فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله: هلّا قبلتيه و كافأتيها، فارى أنّك حقّرتيها، فتواضعي يا عائشة، فإنّ اللّه يحبّ المتواضعين و يبغض المستكبرين.
في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله قذفت بصفوان بن المعطل السلميّ، و تناقلتها الألسن، و لكن اللّه برّأها في قرآنه.
و لاغتصاب حقوق فاطمة الزهراء عليها السّلام بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شهدت هي و عمر ابن الخطاب عند أبيها- أبي بكر- بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، فقالت الزهراء عليها السّلام: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها في الإسلام.
كانت تترأس عصابة تضمّ في عضويّتها حفصة بنت عمر و طلحة و الزبير و أمثالهم؛ لمناهضة باقي نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و الرّعيل الأول من صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله المخلصين، كالإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.
لمّا علمت بوفاة عثمان بن عفان و تولّي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام زمام أمور المسلمين قالت: لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا؛ و ذلك لبغضها و عدائها للإمام عليه السّلام.
و لم تلبث طويلا حتى خرجت على خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إمام زمانها و حجة اللّه على خلقه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و قادت جيشا إلى البصرة، و معها طلحة و الزبير و مروان بن الحكم و من على شاكلتهم، و أعلنت الحرب على الإمام عليه السّلام.
انتهت تلك الحرب الظالمة التي عرفت بحرب الجمل أو حرب البصرة بانتصار جيش الإمام عليه السّلام و هزيمة انصارها، و مقتل جمع غفير من المسلمين، فرجعت إلى المدينة و هي تجرّ أذيال الخيبة و الهزيمة و الخسران...
و لما نزل بها الموت جزعت، فقيل لها: أ تجزعين يا أمّ المؤمنين و أنت زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمّ المؤمنين و ابنة أبي بكر الصديق؟! فقالت: إنّ يوم الجمل معترض في حلقي، ليتني متّ قبله و كنت نسيا منسيا.
و لما توفّيت فاطمة الزهراء عليها السّلام جاءت نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى بني هاشم للاشتراك في مراسم تأبينها أمّا هي فلم تأت و أظهرت مرضا.
و يوم سمعت باستشهاد الإمام الحسن عليه السّلام أبدت فرحا و سرورا شديدين.
و لما علمت باستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام طارت من الفرح و السرور ...
و كان لها غلام أسود سمّته عبد الرحمن؛ حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.
قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام خير البشر، من أبى فقد كفر، فقيل لها: فلم حاربتيه؟! فقالت: و اللّه! ما حاربته من ذات نفسي، و ما حملني عليه إلّا طلحة و الزبير.
كانت إذا قرأت الآية: «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ» بكت حتى تبلّ خمارها.
روت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أحاديث، و روى عنها جماعة.
توفّيت بالمدينة في السابع عشر من شهر رمضان سنة 57 ه، و قيل: سنة 59 ه، و قيل: سنة 58 ه، و قيل: سنة 56 ه، و دفنت في البقيع، بعد أن عمّرت 65 سنة.
القرآن العظيم و عائشة:
نزلت فيها الآية 129 من سورة النساء: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها ....
و الآية 4 من سورة النور: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ....
و الآية 11 من نفس السورة: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ....
و الآية 23 من السورة نفسها: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ ....
و لتبرئة ساحتها ممّا قذفت به من الإفك نزلت فيها الآية 26 من نفس السورة:
الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ ....
و شملتها الآية 28 من سورة الأحزاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ....
و نزلت فيها الآية 30 من نفس السورة: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ... و هنا الفاحشة تعني الخروج بالسيف.
و لما سخرت هي و حفصة من أمّ سلمة و صفية بنت حيي نزلت فيها و في حفصة الآية 11 من سورة الحجرات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ....
و نزلت فيها و في حفصة الآية 4 من سورة التحريم: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ..[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 544
[1]أعلام القرآن، ص 544