الخضر عليه السّلام
هو حلقيا، و قيل: ملقيا، و قيل: مليقا، و قيل: إيليا، و قيل: بليا، و قيل: أرمياء، و قيل: تليا بن ملكان، و قيل: كليان بن عابر، و قيل: عامر بن ارفخشد بن سام ابن نبي اللّه نوح عليه السّلام، و أمّه كانت تدعى: لها.
كانت معجزته إذا جلس على خشبة يابسة أو أرض جرداء أزهرت خضراء، فلقّب بالخضر.
هو أحد الأنبياء الّذين بعثهم اللّه إلى أقوامهم لهدايتهم و دعوتهم إلى توحيد اللّه و الإيمان به، و كان في قمّة الكمال و العلم و الصلاح.
كان من أسرة ملكيّة عريقة، و كان أبوه من ملوك وقته، و لم يكن لأبيه ولد غيره. ولدته أمّه في إحدى المغارات و تركته، فكانت تأتيه شاة كلّ يوم فترضعه، و في أحد الأيام عثر عليه صاحب الشاة فأخذه و ربّاه.
و لم يزل الخضر عليه السّلام عند صاحب الشاة حتى شبّ و تعلّم القراءة و الكتابة، و مرّة طلب أبوه- ملكان- كاتبا ليكتب له صحف إبراهيم الخليل عليه السّلام و شيث عليه السّلام، فتقدّم جماعة للكتابة بينهم الخضر عليه السّلام و أبوه لا يعرفه، فلما تعرّف عليه أبوه فرح به، و نقله إلى البلاط، و ولّاه أمر الناس، و زوّجه أكثر من مرة، عسى أن يرزق منه ولدا؛ ليرث الملك بعده، و لكنه كان يمتنع من إتيان الزوجات؛ و لما كان الخضر عليه السّلام لا يستسيغ حياة الترف و العيش الرغيد في قصور الملوك فضّل الفرار إلى الصحاري و البحار، فكان أكثر مقامه في الأنهار و البحار.
و لم يزل سائحا حتّى شرب ماء الحياة- ذلك الماء الّذي من شرب منه شربة يخلد حتى يسمع الصيحة في آخر الزمان- و منحه اللّه القدرة على تصوير و تغيير شكله كيفما شاء.
كانت ولادته قبل عصر إبراهيم الخليل عليه السّلام، و عن الإمام الرضا عليه السّلام قال: «إنّ الخضر عليه السّلام شرب من ماء الحياة، فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا، فنسمع صوته، و لا نرى شخصه، و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته، و يصل به وحدته».
لما ادّعى موسى بن عمران عليه السّلام أعلميته من جميع الناس أوحى اللّه إليه بأنّ هناك رجلا بمجمع البحرين هو أعلم منك، فسأل موسى عليه السّلام ربّه كيفية الوصول إليه؟ فجاء الوحي إليه بأن خذ حوتا وضعه في مكتل، فأينما يفقد الحوت فهو هناك.
فانطلق موسى عليه السّلام بصحبة يوشع بن نون مع مكتل فيه حوت، و في الطريق أخذهما النوم عند صخرة على ساحل البحر، فخرج الحوت من المكتل و انحدر إلى البحر، فلما استيقظا واصلا سفرهما، و بعد أن جاوزا الصخرة وجدا أنّ الحوتة قد خرجت من المكتل عند الصخرة الّتي ناما عندها في مجمع البحرين في خليج السويس.
فرجع موسى عليه السّلام و صاحبه إلى الصخرة فوجدا عندها رجلا- و هو الخضر عليه السّلام- فسلّم موسى عليه السّلام عليه، و عرّفه بنفسه، ثم أخبره بأنه جاء إليه لكي يتعلّم منه، فقال الخضر عليه السّلام: إنّك لن تستطيع معي صبرا، و إنّي على علم علّمنيه اللّه لا تعلمه أنت، و أنت على علم من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه أنا، فقال موسى عليه السّلام: ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين و لا أعصي لك أمرا، فقال الخضر عليه السّلام: إن اتّبعتني فلا تسألني عن شي ء حتى أخبرك به، فوافق موسى عليه السّلام على ذلك.
مرّت عليهم سفينة فركبوها، و بعد أن أبحرت خلع الخضر عليه السّلام لوحا من ألواحها فكسر جانبا منها، فقال له موسى عليه السّلام: لما ذا خلعت لوحا منها لتغرق من عليها؟ فقال الخضر عليه السّلام: أ لم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا، فاعتذر له موسى من اعتراضه عليه، و لمّا رست السفينة على الساحل خرجا منها، و بينما هما يمشيان إذ مرّا بمدينة أيلة على شاطئ البحر الأحمر، و إذا الخضر عليه السّلام يتوجه نحو غلام- كان يلعب مع الغلمان- فقطع رأسه و قتله، فاعترض موسى عليه السّلام ثانية على الخضر عليه السّلام لقتله الغلام، فأجابه الخضر عليه السّلام: أ لم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا، فقال موسى عليه السّلام معتذرا: إني إن سألتك مرّة أخرى فلا تصاحبني، ثم تابعا السير حتى وصلا إلى قرية الناصرة بفلسطين، و قيل: أنطاكية بالشام، فاستطعما أهلها فلن يضيّفوهما، ثم وجدا جدارا في القرية يكاد أن يسقط، فقام الخضر عليه السّلام و أقام الجدار بيده و منعه من الانهدام، فاعترض موسى عليه السّلام قائلا: أهل القرية لم يضيّفونا و كان من الأجدر أن تأخذ أجرة على إقامتك للجدار، فقال الخضر عليه السّلام: هذا فراق بيني و بينك؛ فافترقا.
و قبل أن يفترقا طلب موسى عليه السّلام من الخضر عليه السّلام بعض النصائح و الوصايا، فقال الخضر عليه السّلام: إيّاك و اللجاجة! أو أن تمشي في غير حاجة، أو أن تضحك من غير تعجب! و اذكر خطيئتك و إيّاك و خطايا الناس!
يقول بعض المؤرخين: إنّ الخضر عليه السّلام كان على مقدّمة جيوش الإسكندر ذي القرنين.
القرآن الكريم و الخضر عليه السّلام :
بعد أن خرّب نبوخذ نصر بيت المقدس مرّ عليها الخضر عليه السّلام، و قيل غيره، فنزلت فيه الآية 259 من سورة البقرة: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ....
تحدّث الذكر الحكيم عن محاورته مع موسى بن عمران عليه السّلام بدون ذكر اسمه في سورة الكهف في الآيات التالية:
الآية 65 فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.
و الآية 66 قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.
و الآية 67 قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.
و الآية 68 وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.
و الآية 70 قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.
و الآية 71 فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً.
و الآية 74 فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً.
و الآية 77 فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.
و الآية 78 قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 348 و 349
[1]أعلام القرآن، ص 348 و 349