یوم السبت
«السبت» في اللغة تعني تعطيل العمل للاستراحة، و ما نقرؤه في سورة النبأ «وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً» أشارة كذلك إلى هذا الموضوع، و سمّى «يوم السبت» بهذا الاسم لأنّ الأعمال العادية و المشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم، ثمّ بقي هذا الاسم لهذا اليوم علما له.
قال تعالی في سورة الأعراف: «وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)
في هذه الآيات يستعرض مشهدا آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر بالحوادث، و هو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في الأمر أن الخطاب موجه فيها إلى الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيقول له: اسأل يهود عصرك حول تلك الجماعة، يعني جدّد هذه الخاطرة في أذهانهم عن طريق السؤال ليعتبروا بها، و يجتنبوا المصير و العقاب الذي ينتظرهم بسبب طغيانهم و تعنتهم.
إنّ هذه القصّة كما أشير إليها في الأحاديث الإسلامية ترتبط بجماعة من بني إسرائيل كانوا يعيشون عند ساحل أحد البحار (و الظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى بميناء «أيلة» (و الذي يسمى الآن بميناء ايلات) و قد أمرهم اللّه تعالى على سبيل الاختبار و الامتحان أن يعطّلوا صيد الأسماك في يوم السبت، و لكنّهم خالفوا هذا التعليم، فأصيبوا بعقوبة موجعة مؤلمة نقرأ شرحها في هذه الآيات.
في البداية تقول الآية: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ. أي اسأل يهود عصرك عن قضية القرية التي كانت تعيش على ساحل البحر.
ثمّ تقول: و ذكّرهم كيف أنّهم تجاوزوا في يوم السبت القانون الإلهي إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ لأنّ يوم السبت كان يوم عطلتهم، و كان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب، و عن صيد السمك و يشتغلوا بالعبادة، و لكنّهم تجاهلوا هذا الأمر.
ثمّ يشرح القرآن العدوان المذكور بالعبادة التالية: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً فالأسماك كانت تظهر على سطح الماء في يوم السبت، بينما كانت تختفي في غيره من الأيّام.
... و من البديهي أنّ صيد الأسماك يشكّل لدى سكنة ساحل البحر مورد كسبهم و تغذيتهم، و كأنّ الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين، فكانت تظهر على سطح الماء أفواجا أفواجا، بينما كانت تتوغل بعيدا في البحر في الأيّام الأخرى التي كان الصيّادون فيها يخرجون للصيد.
إنّ هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي و إلهي، كان وسيلة لامتحان و اختبار هذه الجماعة، لهذا يقول القرآن الكريم: و هكذا اختبرناهم بشي ء يخالفونه و يعصون الأمر فيه كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ .
و جملة بِما كانُوا يَفْسُقُونَ إشارة إلى أنّ اختبارهم كان بما من شأنه أن يجذبهم و يدعوهم إلى نفسه، و إلى المعصية و المخالفة، و جميع الاختبارات كذلك، لأن الاختبار يجب أن يبيّن مدى مقاومة الأشخاص أمام جاذبية المعاصي و الذنوب.
عند ما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلا مع حياتهم تداخلا كاملا، انقسموا إلى ثلاث فرق:
«الفريق الأوّل» و كانوا يشكّلون الأكثرية، و هم الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي.
«الفريق الثّاني» و كانوا على القاعدة يشكلون الأقلية، و هم الذين قاموا- تجاة الفريق الأوّل بوظيفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
«الفريق الثّالث» و هم الساكتون المحايدون الذين لم يوافقوا العصاة، و لا قاموا بوظيفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.[1]
المنبع:
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 5، ص 263-265
[1]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 5، ص 263-265