بلال‏ الحبشي
المجموعات : الأشخاص

بلال الحبشي

هو أبو عبد الرحمن، و قيل: أبو عمرو، و قيل: أبو عبد الكريم بلال بن رباح الحبشي، التيمي بالولاء، أمّه حمامة. أحد صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله الأجلّاء، و من السابقين إلى الإسلام، محدّث صادق، فصيح اللسان. كان أبوه من سبي الحبشة، ولد هو في مكّة، و لما بزغ نور الإسلام أسلم و صحب النبي صلّى اللّه عليه و آله و صار خادمه و خازنه و مؤذنه، فكان أوّل من أذّن في الإسلام.

كان مولى لأميّة بن خلف، فلما أسلم بلال أخذ أميّة يعذّبه أشدّ العذاب ليرتدّ عن الإسلام و يقول له: ربّك اللّات و العزّى، فكان بلال يجيبه قائلا: أحد أحد. اشتراه أبو بكر بن أبي قحافة ثم أعتقه.و لإسلامه كان أبو جهل يبطحه على وجه الأرض تحت حرارة الشمس، و يضع الرحاء عليه حتى تصهره الشمس، فيقول له: اكفر برب محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فيقول بلال: أحد أحد. شهد مع النبي صلّى اللّه عليه و آله بدرا و أحدا و بقيّة المشاهد.

عند ما هاجر آخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين أبي عبيدة بن الحارث، و لم يزل يؤذّن للنبي صلّى اللّه عليه و آله في سفره و حضره، فلما قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله لزم بيته و لم يؤذّن لأحد من الخلفاء، ثم خرج إلى الشام، و لم يزل بها حتى توفّي بدمشق بمرض الطاعون سنة 20 ه، و قيل: سنة 21 ه؛ و قيل: سنة 17 ه، و قيل: سنة 18 ه؛ و قيل: توفّي بحلب أو في داريا، و قبره في دمشق يزار، و كان عمره يوم توفّي بضعا و ستين سنة، و كان من الذين شهد لهم النبي صلّى اللّه عليه و آله بالجنّة. قبل وفاته جاء إلى المدينة، فأتى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و جعل يبكي و يتمرّغ عليه، فأقبل الحسنان عليهما السّلام، فجعل يقبّلهما و يضمّهما إلى صدره، فقالا له: نحبّ أن تؤذّن، فعلا سطح المسجد النبوي و أذّن، فلما سمع الناس صوته ضجّوا بالبكاء و النحيب، و تذكّروا أيّام النبي صلّى اللّه عليه و آله. كان شديد الموالاة لأهل بيت النبوّة، معظّما للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، ممتنعا عن بيعة أبي بكر و منحرفا عنه.

في أحد الأيام أخذ عمر بن الخطاب بتلابيبه عند ما امتنع عن مبايعة أبي بكر، و قال له: يا بلال! هذا جزاء أبي بكر منك أن اعتقك، فلا تبايعه، فقال بلال: إن كان أبو بكر أعتقني للّه فليدعني للّه، و إن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا، و أمّا بيعته فما كنت أبايع أحدا لم يستخلفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- في أعناقنا- إلى يوم القيامة، فقال له عمر: لا أبا لك، لا تقم معنا، فارتحل إلى بلاد الشام.

القرآن المجيد و بلال :

شملته الآية: «وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ ....» (الأنعام/51) كان فريق من المسلمين الأوائل، كالمترجم له و أمثاله يسبقون الناس إلى مجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فيجي ء الأشراف و السادات من قريش و غيرهم إلى مجلس النبي صلّى اللّه عليه و آله، و قد جلس المسلمون المستضعفون أمثال بلال عند النبي صلّى اللّه عليه و آله، فكان الأشراف يجلسون ناحية من المجلس، و كانوا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه و آله: نحن سادة قومك و أشرافهم، فلو أدنيتنا منك و نحّيت بلالا و أمثاله عن مجلسك لكان ذلك أحسن و أجمل، فنزلت الآية في المترجم له و أشباهه من المؤمنين: «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ ....» (الأنعام/52)

و في أحد الأيام دخل بعض رؤساء المشركين على النبي صلّى اللّه عليه و آله فوجدوا عنده جماعة من المسلمين بينهم المترجم له، فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و آله: لو أبعدت هؤلاء و طردتهم لآمنّا بك و اتبعناك، فنزلت الآية: «وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ» (الأنعام/53).

و نزلت فيه و في أمثاله من المسلمين الّذين عذّبوا على يد المشركين الآية 106 من السورة السابقة: «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ....»

و لمّا فتح النبي صلّى اللّه عليه و آله مكّة سنة 8 ه أمر بلالا بأن يؤذّن على ظهر الكعبة، فصعد و أذّن، فقال المشركون و المنافقون أقاويل كثيرة، فمنهم من قال: الحمد لله الّذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم، و قال آخر: أ ما وجد محمّد صلّى اللّه عليه و آله غير هذا الغراب الأسود مؤذنا، و قال آخرون: يا عباد اللّه! هذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة، و غير ذلك من كلمات التعيير لبلال، فنزلت الآية 13 من سورة الحجرات: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .. ».[1]

المنبع:

أعلام القرآن، ص187- 185

 

[1]أعلام القرآن، ص187- 185