المشبّهة
هم الذین شبّهوا الله سبحانه و تعالی بخلقه فقالوا بالتجسیم و غیره من صفات المخلوقات.
اشیر الی المشبّهة فی بعض تفسیر الآیات منها قوله سبحانه:«وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَ هُمْ مُشْرِكُون »[1] فاختلف في معناه [من هم؟] و روي عن ابن عباس: أنهم المشبهة آمنوا في الجملة و أشركوا في التفصيل.[2]
قال الشهرستاني: اعلم أن السلف من أصحاب الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في علم الكلام و مخالفة السنّة التي عهدوها من الأئمة الراشدين و نصرهم جماعة من أمراء بني أمية على قولهم بالقدر، و جماعة من خلفاء بني العباس على قولهم بنفي الصفات و خلق القرآن، تحيروا في تقرير مذهب أهل السنّة و الجماعة في متشابهات آيات الكتاب الحكيم، و أخبار النبي الأمين صلى اللّه عليه و سلّم.
فأما جماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب و السنّة، و لا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعا أن اللّه عز و جل لا يشبه شيئا من المخلوقات، و أن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه و مقدّره. و كانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا من حرك يده عند قراءة قوله تعالى: «خَلَقْتُ بِيَدَيَ » أو أشار بإصبعيه عند روايته «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن» وجب قطع يده و قلع إصبعيه. و احتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم يقرأ اليد بالفارسية، و لا الوجه، و لا الاستواء، و لا ما ورد من جنس ذلك، بل إن احتاج في ذكره إلى عبارة عبر عنها بما ورد لفظا بلفظ.
غير أن جماعة من الشيعة الغالية، و جماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه قالوا: معبودهم على صورة ذات أعضاء و أبعاض، إما روحانية، و إما جسمانية و يجوز عليه الانتقال و النزول و الصعود و الاستقرار و التمكن.
فحكى الأشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن مضر، و كهمس، و أحمد الهجيمي: أنهم أجازوا على ربهم الملامسة و المصافحة.
و أن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا و الآخرة إذ بلغوا في الرياضة و الاجتهاد إلى حد الإخلاص و الاتحاد المحض.
و حكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز الرؤية في دار الدنيا، و أن يزوره و يزورهم و حكى عن داود الجواربي أنه قال: اعفوني عن الفرج و اللحية و اسألوني عما وراء ذلك: و قال: إن معبوده جسم، و لحم، و دم. و له جوارح و أعضاء من يد، و رجل، و رأس، و لسان، و عينين، و أذنين. و مع ذلك جسم لا كالأجسام، و لحم لا كاللحوم، و دم لا كالدماء، و كذلك سائر الصفات، و هو لا يشبه شيئا من المخلوقات، و لا يشبه شي ء. و حكى عنه أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره، مصمت ما سوى ذلك. و أن له وفرة سوداء، و له شعر قطط[3] .
و أما ما ورد في التنزيل من الاستواء، و الوجه، و اليدين، و الجنب، و المجي ء، و الإتيان و الفوقية و غير ذلك فأجروها على ظاهرها، أعني ما يفهم عند الإطلاق على الأجسام.
و زادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها و نسبوها إلى النبي عليه الصلاة و السلام، و أكثرها مقتبسة من اليهود، فإن التشبيه فيهم طباع، حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، و بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، و إن العرش لتئطّ[4] من تحته كأطيط الرّحل [5] الحديد، و أنه ليفضل من كل جانب أربع أصابع.
و زادوا على التشبيه قولهم في القرآن: إن الحروف و الأصوات و الرقوم المكتوبة قديمة أزلية. و قالوا: لا يعقل كلام ليس بحروف و لا كلم. و استدلوا بأخبار، منها ما رووا عن النبي عليه الصلاة و السلام: «ينادي اللّه تعالى يوم القيامة بصوت يسمعه الأوّلون و الآخرون» و رووا أن موسى عليه السلام كان يسمع كلام اللّه كجر السلاسل، قالوا: و أجمعت السلف على أن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، و من قال هو مخلوق فهو كافر باللّه، و لا نعرف من القرآن إلا ما هو بين أظهرنا فنبصره و نسمعه و نقرؤه و نكتبه.
و من المشبهة من مال إلى مذهب الحلولية، و قال: يجوز أن يظهر الباري تعالى بصورة شخص، كما كان جبريل عليه السلام ينزل في صورة أعرابي و قد تمثل لمريم بشرا سويا و عليه حمل قول النبي عليه الصلاة و السلام: «رأيت ربّي في أحسن صورة». و في التوراة عن موسى عليه السلام: شافهت اللّه تعالى فقال لي كذا.[6]
المنابع:
الملل و النحل(للشهرستانی)، ج 1، ص 119
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 5، ص 410
[1]یوسف: 106
[2]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 5، ص 410
[3]الشعر القطط: القصير، فيه جعودة.
[4]تئط: تحدث صوتا.
[5]الرّحل: ما يجعل على ظهر البعير كالسرج.
[6]الملل و النحل(للشهرستانی)، ج 1، ص 119