أبو بكر بن أبی قحافة
هو أبو بكر عبد اللّه، و قيل: عبد الكعبة، و قيل: عتيق بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم القرشي، التّيميّ. غلبت كنيته على اسمه فعرف بها، و أمه سلمى، و قيل: ليلى بنت صخر بن عامر، و العامة يلقبونه بالصديق. أحد صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أول الخلفاء الراشدين على زعم من ينكر حديث غدير خم.
ولد بمكّة سنة 51 قبل الهجرة، و نشأ بها حتى أصبح من زعماء و أثرياء قريش في الجاهلية. أسلم و صحب النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى غار حراء عند هجرته إلى المدينة المنورة، و شهد بدرا و أحدا و بعض المشاهد الأخرى.
تزوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله من ابنته عائشة، و له روايات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و روى عنه جماعة، أمثال عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و غيرهم.
بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله تصدّر لحكم المسلمين، و بدأت الفتوحات الإسلامية، فافتتحت في عهده بلاد الشام و أكثر العراق.
في أيام حكمه حدثت حوادث مؤلمة و فجائع رهيبة مذكورة في سجلّات التأريخ، منها: اغتصابه الخلافة من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، و انتزاع فدك من فاطمة الزهراء عليها السّلام، و هجوم القوم على دارها و معهم الحطب يريدون حرقه، ثم دخولهم الدار و ترويعهم الزهراء عليها السّلام و ضربها و إيلامها و كسر ضلعها و إسقاط جنينها، ثم إلقاء القبض على الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و أخذه إلى مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بصورة مهينة؛ لأخذ البيعة منه للمترجم له، و كلّ ذلك جرى على مرأى و مسمع من أبي بكر.
للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و لفاطمة الزهراء عليها السّلام خطب و كلمات تضع النقاط على الحروف، و تبيّن شخصية المترجم له من جميع جوانبها. من المسلّم به لدى الفرق الإسلامية أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في حق ابنته فاطمة الزهراء عليها السّلام: «إنّ اللّه يغضب لغضبها و يرضى لرضاها» و من المؤكّد تأريخيا أن أبا بكر و عمرو بن الخطاب أغضباها فهجرتهما و لم تكلّمهما حتى ماتت.
ولد له عبد اللّه و عبد الرحمن و محمد و بنت أخرى غير عائشة كانت تدعى: أسماء؛ و تعرف بذات النطاقين، تزوّجها الزبير بن العوام، فأنجبت له عبد اللّه بن الزبير. لما حضره الموت أوصى إلى عمر بن الخطاب ليقوم مقامه في الحكم، و بعد أن بلغ من العمر 63 سنة و حكم سنتين و ثلاثة أشهر و عشر ليال مات بالمدينة المنوّرة في الثالث و العشرين من جمادى الثانية سنة 13 ه، و صلّى عليه عمر، و دفن في المدينة.
و جاء ذکره فی بعض اسباب النزول منها ما یأتی:
نزلت فيه الآية 224 من سورة البقرة: «وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».
و شملته الآية 154 من سورة آل عمران: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ»
أقسم أن لا يورّث ابنه، فلما أسلم ابنه نزلت الآية 33 من سورة النساء تأمره بأن لا يمنعه من الإرث: «وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ».
في أحد الأيام سبّه شخص في مكّة و قذفه بفاحش القول، فأجابه أبو بكر على سبّه و قذفه، فنزلت فيه الآية 148 من نفس السورة: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ».
و نزلت فيه الآية 54 من سورة المائدة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ».
و كذلك شملته الآية 87 من نفس السورة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».
لمّا أسلم المترجم له و أصرّ أبو جهل على شركه و كفره نزلت فيهما الآية 8 من سورة فاطر: «أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
في أحد الأيام تشاجر هو و عمر بن الخطاب في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و اشتدّ الجدال بينهما حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت فيهما الآية 2 من سورة الحجرات: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ».
و نزلت فيه الآية 10 من سورة الحديد: «وَ ما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ».[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 45
[1]أعلام القرآن، ص 45