الثُعبان
الثّعبان: ضرب من الحيّات طوال، و الجمع: ثعابين. و لعلّ لفظ الثّعبان كان مصدرا في الأصل مثل: القربان، أو صفة مثل: العريان، أو جمع ثعب أو ثعب، مثل: ظهر و ظهران، و ذكر و ذكران، لأنّ «فعلانا» يأتي جمعا ل «فعل» أو «فعل»، إذا كانا صحيحي العين.
جاء «ثعبان» مرّتين في سياق واحد قال تعالی:«فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ»[1] و الآية بكلا الموضعين معجزة لموسى أمام فرعون لمّا طلبها من موسى، و هي العصا، و تلتها معجزة أخرى هي اليد البيضاء.
و كأنّ هذا التّعبير الجازم فيهما ردّ و مقابلة لتشكيك فرعون في صدق موسى بقوله: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. و فيهما تلاحم في المعنى بين ثُعْبانٌ مُبِينٌ* و بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ،* فإنّهما الواضح للعيان.
جاء في آيتين كَأَنَّها جَانٌّ، و في آية فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ، و في آيتين فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ.فقالوا: إنّ الجانّ حيّة صغيرة، و الثّعبان: حيّة كبيرة، و جملة ما ذكروه من الوجوه فی اختلاف الموقفين: إنّها كانت كالجانّ في خفّة الحركة، و كالثّعبان في عظم الجسم، و أمّا الحيّة فاسم جنس ينطبق عليهما. او إنّها كانت كالجانّ في أوّل أمرها، ثمّ انقلبت تدريجيّا إلى ثعبان. او إنّ المراد من «الجانّ» الجنّ.
و الحقّ أنّ المواقف الثّلاثة مختلفة كان المغزى في الموقف الأوّل هو التّعريف و التّجريب لموسى من قبل اللّه، دون الاحتجاج و التّخويف، فلوحظ فيه اللّين في الكلام فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ و جاء شي ء من الشّدّة في قوله فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى . و كان المغزى في الموقف الثّاني هو الاحتجاج و التّخويف لفرعون، فجاء في جملة اسميّة صارمة مفاجئة فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ. أمّا المغزى في الموقف الثّالث فلم يكن تجريبا و لا احتجاجا و تخويفا، بل مجابهة و إبطالا لسحر السّحرة، دون الاعتبار بتمثيل العصا حيّة أو ثعبانا، فجاءت النّتيجة في جملة اسميّة جازمة مفاجئة فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* أو (ما يصنعون).
جاءت في شأن الثّعبان مبالغات في التّفاسير، يظنّ أنّها إسرائيليّة، ليست في القرآن و لم تنقل في حديث صحيح، بل استندت إلى أمثال وهب بن منبّه و كعب الأحبار، و غيرهما من أهل الكتاب الّذين قيل في شأنهم: إنّهم كانوا يكيدون للإسلام بهذه الأساطير، و قد ملأت- مع الأسف- أمثال هذه الأساطير حول القصص القرآنيّة التّفاسير، و شغلت القصّاص و الوعّاظ، أنسوا و اهتمّوا بها طوال ألف سنة أو أكثر.[2]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 348
[1]الأعراف: 107، و الشّعراء: 32
[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 348