أصحاب القریة
هم اليهود الّذين كانوا يسكنون أنطاكية أويس في عهد عيسى بن مريم عليه السّلام، فلما عصوا اللّه و تجبّروا و شقوا عصا الطاعة على عيسى عليه السّلام أرسل اليهم رئيس الحواريين المسمّى شمعون، و قيل: بطرس، و قيل: سمعان، و قيل: شلوم، ليرشدهم و يوعظهم، و بعد مدّة أرسل إليهم شخصين آخرين من الحواريّين هما: برنابا و بولس، و قيل: مالوس و فاروس، فدخلا أنطاكية، فأخذا يبشّران و يبلّغان لشريعة عيسى عليه السّلام، فقابلوهم بالتكذيب و السخرية، ثم أخذوا باضطهادهم و تعذيبهم و تهديدهم بالقتل.
و في تلك الفترة جاء إلى انطاكية حبيب بن إسرائيل النجّار، أو أغابوس، و كان رجلا مؤمنا باللّه و بشريعة عيسى عليه السّلام، فاخذ يدعو الناس إلى اتّباع رسل عيسى عليه السّلام، و إطاعة أوامرهم و نواهيهم، و حذّرهم من غضب اللّه سبحانه و تعالى.
و لرسوخ الكفر و الطغيان و العناد في نفوس اليهود قابلوه بالإهانة و الاستهجان، و حملوا عليه حملة رجل واحد، و داسوه بأرجلهم حتى قتلوه، و قيل: خنقوه حتى مات.
و على أثر تلك الجريمة النكراء أنزل اللّه عذابه على أهل أنطاكية- أو أصحاب القرية- فأصيبوا بالصيحة الّتي أهلكتهم أجمعين، و قيل: أحرقهم اللّه بالنار.
و هناك رواية أخرى بالنسبة إلى أصحاب القرية، تقول: لمّا أرسل عيسى بن مريم عليه السّلام اثنين من حواريّيه إلى أنطاكية، و في طريقهم إليها مرّوا بشيخ يرعى غنما، و كان له ولد عليل، فعرّفا نفسيهما له بأنّهما من حواريّي عيسى بن مريم عليه السّلام، فطلب الراعي منهما معجزة تثبت دعواهما، فقالا له: سوف نطلب من اللّه شفاء ولدك المريض، فدعيا اللّه بشفائه، فاستجاب اللّه دعاءهما، و شفي الولد، فعند ذاك آمن الشيخ باللّه و بشريعة عيسى المسيح عليه السّلام، فكان ذلك الشيخ يدعى حبيبا النجّار.
ثم واصل الرسولان السير حتى دخلا أنطاكية، فدخلا على ملكها شلاحن الرومي، و قيل: أنطيخس، و قيل: بطلمند، و كان من عبدة الأصنام، و طلبا منه نبذ الأصنام و الإيمان باللّه و توحيده، فزجّهما في السجن و حبسهما، فلمّا علم عيسى عليه السّلام بأمرهما أرسل شمعون الحواري إلى أنطاكية لينقذهما من مخالب الملك.
فوصل شمعون أنطاكية، و استطاع أن يتقرّب من بلاط الملك، و يصبح من خواصه و ندمائه، و لم يزل في خدمة الملك حتى طلب منه إطلاق سراح الرسولين من السجن، فوافق الملك على طلبه و أطلقهما.
و بعد أن رأى الملك من الرجلين آيات باهرات و معاجز تذهل العقول، آمن باللّه و بشريعة عيسى عليه السّلام، و ترك عبادة الأصنام، و تبعه كثير من أهل أنطاكية، و آمنوا بالرسولين، و لم يؤمن جماعة من اليهود و أصرّوا على كفرهم و عنادهم، فجاء يوسف النجّار إليهم، و دعاهم إلى تصديق الحواريّين و اتّباعهم، فقابلوه بالعنت و الجحود حتى قتلوه، فغضب اللّه عليهم، و أهلكهم شرّ هلاك.
قال تعالی: «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ...إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ »[1] .[2]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 127
[1]یس: 13 - 30
[2]أعلام القرآن، ص 127