التوراة
المجموعات : الکتب

التوراة

ذهب الرّعيل الأوّل من اللّغويّين و المفسّرين قاطبة إلى أنّ «التّوراة» لفظ عربيّ، و انشعبوا في أصله شعبتين، قال البصريّون: هو «فوعلة»، مثل: حوصلة و دوخلة، و مثله كثير في اللّغة، و من قولهم: ورى الزّند و وري وريا، أي خرجت ناره، لأنّ معنى التّوراة الضّياء و النّور. فالأصل فيه على هذا القول «وورية»، قلبت الواو الأولى تاء، كما قلبت في «تولج»، ثمّ قلبت الياء ألفا لتحرّكها، و انفتاح ما قبلها.

و قال الكوفيّون: هو «تفعلة» من المعنى المتقدّم أيضا، و أصله «تورية»، فالتّاء زائدة، و قلبت الياء ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها. أو هو «تفعلة»، ثمّ قلب إلى «تفعلة» على لغة طيّ ء، فهم يقولون في جارية: جاراة، و في ناصية: ناصاة، و في توصية: توصاة.

و قيل: هو مشتقّ من التّورية، و هي التّعريض بالشّي ء و الكتمان لغيره، فكأنّ أكثر التّوراة معاريض و تلويحات من غير تصريح و إيضاح، و في الحديث: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد سفرا ورّى بغيره».

و قال الزّمخشريّ: التّوراة و الإنجيل اسمان أعجميّان، و تكلّف اشتقاقهما من «الوري» و «النّجل»، و وزنهما ب «تفعلة» و «إفعيل»، إنّما يصحّ بعد كونهما عربيّين. و يبدو أنّ القول ما قاله الزّمخشريّ، و هو لفظ عبريّ على الأصحّ، فقد جاء في هذه اللّغة بلفظ «توراه»، أي الشّريعة و القانون. و زعم «فرانكل» أنّ العبريّين أخذوه من الآراميّة، و ليس بشي ء.

التّوراة و الإنجيل كتابان تاريخيّان لحياة موسى و عيسى و ما قبلهما و ما بينهما، و تتخلّلهما شرائع و أحكام و مواعظ و غيرها. و التوراة عند أهل الكتاب خمسة أسفار: التّكوين، و الخروج، و اللّاويّون و العدد، و التّثنية.

جاء لفظ التوراة فی عدة آیات من القرآن الکریم قال تعالی:«نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ»[1] .

إنّ كتاب التّوراة الحالي لیس هو من عند اللّه، اولا: تكرّرت فيها عبارتا «قال الرّبّ لموسى» و «قال موسى للرّبّ» بصيغه الغيبة أكثر من سبعمئة مرّة، و لو كانتا ممّا أملاه موسى عليه السّلام وحيا من اللّه لقال: «قال الرّبّ لي» و «قلت للرّبّ»، و هذا يعني أنّ شخصا آخر غير موسى قد كتبها.

ثانيا: جاء في آخر سفر التّثنية: أنّ موسى صعد إلى جبل «نبو»، و أراه اللّه من هناك الأرض من «جلعاد» إلى «دان»، «فمات هناك موسى عبد الرّبّ في أرض موآب حسب قول الرّبّ، و دفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم»، «و لم تكلّ عينه، و لا ذهبت نضارته»، «و لم يقم بعد نبيّ في بني إسرائيل مثل موسى الّذي عرّفه الرّبّ وجها لوجه». التّثنية (34: 5- 10) فسياق هذا النّصّ ينبئ بوضوح عن أنّ موسى عليه السّلام لم يكتبه قطّ.

ثالثا: حوت هذه الأسفار كثيرا من الخرافات و الأباطيل الّتي نسبوها إلى الأنبياء و الأولياء، و منها: أنّ النّبيّ لوطا زنى بابنتيه فولدت ذكرين، اسم أحدهما موآب، و هو أبو الموآبيّين إلى اليوم، و اسم الآخر عمّي، و هو أبو بني عمّون إلى اليوم. التّكوين (19: 30- 38). و منها: أنّ يهودا بن يعقوب و أبا اليهود زنى بكنّته، فولدت توأمين: فارص و زارح. التّكوين (38: 13- 30)، و غيرها من التّخرّصات و الافتراءات الّتي تطفح بها هذه الأسفار. و لا نريد أن نتوغّل فيها، فهي كالمستنقع، كلّما خاض الإنسان في لجّته امتلأت خياشيمه نتنا و ذفرة.

رابعا: قال مستر هاكس في الصّفحة (718) من قاموسه: «إنّ النّسخ الأصليّة للكتاب المقدّس الّتي كتبها النّبيّ أو كتّابه ليست في أيدينا اليوم، بل أنّ ما بين أيدينا نسخة مقتبسة من الأصل، و يلحظ فيها اختلافات جزئيّة، رغم أنّهم قد أمعنوا في الكتابة إمعانا بالغا».

و قد عرّف العهد القديم «عزرا»- المعروف في القرآن بلفظ «عزير»- بأنّه «كاتب شريعة إلى السّماء الكامل إلى آخره» حسب رسالة الملك الفارسيّ «أرتحشستا»، سفر عزرا (7: 11 و 12)، فقد جمع كلّ أسفار التّوراة و العهد القديم و أصلح غلطها كما يقول علماؤهم. و لكنّ بعضهم يقول: إنّ أسفار التّوراة كتبت بأساليب مختلفة، لا يمكن أن تكون كتابة واحد.

و شكّك علماء المسلمين في «عزرا» هذا، و منهم العلّامة الطّباطبائيّ، فقال في الميزان (3: 310): «لا نعرفه أوّلا، و لا نعرف كيفيّة اطّلاعه و تعمّقه ثانيا، و لا نعرف مقدار أمانته ثالثا، و لا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التّوراة رابعا، و لا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدّائرة خامسا».[2]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 215

 

[1]آل عمران: 3

[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 215