غزوة خيبر
ذکر ابن اسحاق أنها کانت في محرم من السنة السابعة للهجرة، و ذکر الواقدي أنها کانت في صفر أو ربیع الأول من السنة السابعة للهجرة بعد العودة من صلح الحدیبیة، و ذهب ابن سعد إلی أنها في جمادي الأولی سنة سبعٍ، و قال الإمامان الزهري و مالک: إنها في محرم من السنة السادسة، و قد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق علی قول الواقدي.[1]
[قصة غزوة خیبر علی ما جاء في السیرة النبوية لإبن هشام]:
قال محمد بن إسحاق: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين رجع من الحديبيّة، ذا الحجة و بعض المحرّم، و ولى تلك الحجّة المشركون، ثم خرج في بقيّة المحرّم إلى خيبر.. و استعمل على المدينة نميلة بن عبد الله اللّيثي، و دفع الراية إلى عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه، و كانت بيضاء.
... عن أبى معتّب بن عمرو: أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه، و أنا فيهم: قفوا، ثم قال: اللَّهمّ ربّ السموات و ما أظللن و ربّ الأرضين و ما أقللن، و ربّ الشّياطين و ما أضللن، و ربّ الرّياح و ما أذرين فإنّا نسألك خير هذه القرية و خير أهلها و خير ما فيها، و نعوذ بك من شرّها و شرّ أهلها و شرّ ما فيها، أقدموا بسم الله. قال: و كان يقولها عليه السلام لكلّ قرية دخلها.
.. عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فان سمع أذانا أمسك، و إن لم يسمع أذانا أغار. فنزلنا خيبر ليلا، فبات رسول الله صلى الله عليه و سلم، حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا، فركب و ركبنا معه، فركبت خلف أبى طلحة، و إن قدمي لتمسّ قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم، و استقبلنا عمّال خيبر غادين، قد خرجوا بمساحيهم و مكاتلهم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و الجيش، قالوا: محمد و الخميس معه! فأدبروا هرّابا، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين...
قال ابن إسحاق: و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر، فبنى له فيها مسجد، ثم على الصّهباء، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بجيشه، حتى نزل بواد يقال له الرجيع، فنزل بينهم و بين غطفان، ليحول بينهم و بين أن يمدّوا أهل خيبر، و كانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه و سلم.
(غطفان و محاولتهم معونة خيبر ثم انخذالهم):
فبلغني أنّ غطفان لمّا سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم و أهليهم حسّا، ظنّوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم و أموالهم، و خلّوا بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين خيبر.
(افتتاح رسول الله الحصون):
و تدنى رسول الله صلى الله عليه و سلم الأموال يأخذها مالا مالا، و يفتتحها حصنا حصنا، فكان أوّل حصونهم افتتح حصن ناعم، و عنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه منه رحى فقتلته، ثم القموص، حصن بنى أبى الحقيق، و أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم سبايا، منهنّ صفيّة بنت حيّى بن أخطب، و كانت عند كنانة بن الرّبيع بن أبى الحقيق، و بنتي عمّ لها، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفيّة لنفسه.
و كان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمّها، و فشت السّبايا من خيبر في المسلمين.
(نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء):
و أكل المسلمون لحوم الحمر الأهليّة من حمرها، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم، فنهى الناس عن أمور سمّاها لهم. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبد الله بن أبى سليط، عن أبيه، قال: أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل لحوم الحمر الإنسيّة، و القدور تفور بها، فكفأناها على وجوهها. قال ابن إسحاق: و حدثني عبد الله بن أبى نجيح، عن مكحول: أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم نهاهم يومئذ عن أربع: عن إتيان الحبالى من السّبايا، و عن أكل الحمار الأهلي، و عن أكل كلّ ذي ناب من السباع، و عن بيع المغانم حتى تقسم....
(شأن بنى سهم الأسلميين):
فحدثني عبد الله بن أبى بكر أنه حدّثه بعض أسلم: أن بنى سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقالوا: و الله يا رسول الله لقد جهدنا و ما بأيدينا من شي ء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا يعطيهم إياه، فقال: اللَّهمّ إنك قد عرفت حالهم و أن ليست بهم قوّة، و أن ليس بيدي شي ء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، و أكثرها طعاما و ودكا، فغدا الناس، ففتح الله عزّ و جلّ حصن الصّعب بن معاذ، و ما بخيبر حصن كان أكثر طعاما و ودكا منه...
(شأن على يوم خيبر):
قال ابن إسحاق: و حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه سفيان، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر الصدّيق برايته، و كانت بيضاء، فيما قال ابن هشام، إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع و لم يك فتح، و قد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطّاب، فقاتل، ثم رجع و لم يك فتح، و قد جهد، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله و رسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرّار. قال: يقول سلمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليّا رضوان الله عليه، و هو أرمد، فتفل في عينه، ثم قال: خذ هذه الراية، فامض بها حتى يفتح الله عليك. قال: يقول سلمة: فخرج و الله بها يأنح، يهرول هرولة، و إنا لخلفه نتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبى طالب. قال: يقول اليهودي: علوتم، و ما أنزل على موسى، أو كما قال. قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبى رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: خرجنا مع عليّ بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح ترسه من يده، فتناول عليّ عليه السلام بابا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده و هو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معى، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه. ....
(أمر صفية أم المؤمنين):
قال ابن إسحاق: و لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم القموص، حصن بنى أبى الحقيق، أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بصفيّة بنت حيىّ بن أخطب، و بأخرى معها، فمرّ بهما بلال، و هو الّذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفيّة صاحت، و صكّت وجهها و حثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أعزبوا عنى هذه الشيطانة، و أمر بصفيّة فحيزت خلفه، و ألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لبلال، فيما بلغني، حين رأى بتلك اليهوديّة ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال، حين تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟ و كانت صفيّة قد رأت في المنام و هي عروس بكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، أن قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلا أنك تمنّين ملك الحجاز محمدا، فلطم وجهها لطمة خضّر عينها منها. فأتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم و بها أثر منه، فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر...
(مصالحة الرسول أهل خيبر):
و حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح و السلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيّرهم و أن يحقن لهم دماءهم، ففعل. و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حاز الأموال كلها: الشّق و نطاة و الكتيبة و جميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه أن يسيّرهم، و أن يحقن دماءهم، و يخلّوا له الأموال، ففعل. و كان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بينهم في ذلك محيّصة بن مسعود، أخو بنى حارثة، فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعاملهم في الأموال على النّصف، و قالوا: نحن أعلم بها منكم، و أعمر لها، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على النّصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئا بين المسلمين، و كانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه و سلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل و لا ركاب.
(أمر الشاة المسمومة):
فلما اطمأنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلّام بن مشكم، شاة مصلّية، و قد سألت أيّ عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ فقيل لها: الذّراع، فأكثرت فيها من السمّ، ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، تناول الذّراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، و معه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأما بشر فأساغها، و أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها، فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، و إن كان نبيّا فسيخبر، قال: فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم، و مات بشر من أكلته التي أكل. قال ابن إسحاق: و حدثني مروان بن عثمان بن أبى سعيد بن المعلّى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال في مرضه الّذي توفى فيه، و دخلت أمّ بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أمّ بشر، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر. قال: فان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم مات شهيدا، مع ما أكرمه الله به من النبوّة.
(رجوع الرسول إلى المدينة):
قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى، فحاصر أهله ليالي، ثم انصرف راجعا إلى المدينة....[2]
المنابع:
السيرةالنبوية،ج 2،ص328 -337
المغازي،ج 2،ص634
الطبقات الكبرى،ج 2،ص81
الموسوعة الحرة(ویکیبیدیا)
[1]المغازي،ج 2،ص634، الطبقات الكبرى،ج 2،ص81، الموسوعة الحرة(ویکیبیدیا)
[2]السيرةالنبوية،ج 2،ص328 -337