أهل الإفک
أهل الإفک الذين افتروا على عائشة زوجة النبی صلی الله علیه و آله: و هم عبد الله بن أبي و حسان بن ثابت، و مسطح، و حمنة بنت جحش. فیهم نزلت الآیة 11 من سورة النور: «إِنَّ الَّذينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَ الَّذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظيمٌ».[1]
قصة الإفك :
قال ابن إسحاق: و حدّثنى يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة و عبد الله بن أبى بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عن نفسها حين قال فيها أهل الافك ما قالوا، فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه و كل كان عنها ثقة فكلهم حدث عنها بما سمع قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فلما كان غزوة بنى المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهنّ معه فخرج بى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. قالت: و كان النساء إذ ذاك يأكلن العلق لم يهجهن اللحم فيثقلن و كنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ثم يأتى القوم الذين كانوا يرحلون لي فيحملوننى و يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به. قالت: فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من سفره ذلك وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثم أذّن مؤذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس و خرجت لبعض حاجتي و في عنقي عقد لي فيه جزع ظفار فلما فرغت انسلّ من عنقي و لا أدرى فلما رجعت الى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده و قد أخذ الناس في الرحيل فرجعت الى مكاني الّذي ذهبت اليه فالتمسته حتى وجدته و جاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير و قد كانوا فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج و هم يظنون أنى فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير و لم يشكوا أنى فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت الى العسكر و ما فيه داع و لا مجيب قد انطلق الناس. قالت فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني و عرفت أن لو افتقدت لرجع الناس الى. قالت فو الله انى لمضطجعة إذ مرّ بين صفوان بن المعطل السلمي و كان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته فلم يبت مع الناس فرأى سوادي فأقبل حتى وقف على و قد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال: «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» ظعينة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم؟
و أنا متلففة في ثيابي. قال ما خلفك يرحمك الله؟ قالت فما كلمته. ثم قرب الىّ البعير فقال اركبي و استأخر عنى. قالت فركبت و أخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس فو الله ما أدركنا الناس و ما افتقدت حتى أصبحت و نزل الناس فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بى فقال أهل الافك ما قالوا و ارتج العسكر و و الله ما أعلم بشي ء من ذلك ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغني من ذلك شي ء. و قد انتهى الحديث الى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و إلى أبويّ لا يذكرون لي منه قليلا و لا كثيرا إلا أنى قد أنكرت من رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بعض لطفه بى كنت إذا اشتكيت رحمني و لطف بى فلم يفعل ذلك بى في شكواي ذلك فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل عليّ و عندي أمى تمرّضنى قال كيف تيكم؟ لا يزيد على ذلك قالت حتى وجدت في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي: لو أذنت لي فانتقلت الى أمي فمرضتنى قال لا عليك قالت فانقلبت الى أمى و لا علم لي بشي ء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع و عشرين ليلة و كنّا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم نعافها و نكرهها انما كنا نخرج في فسح المدينة و انما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبعض حاجتي و معى أم مسطح ابنة ابى رهم بن المطلب قالت فو الله إنها لتمشي معى إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح (و مسطح لقب و اسمه عوف) قالت فقلت بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين و قد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا بنت أبى بكر قالت قلت و ما الخبر فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الافك قلت أو قد كان هذا قالت نعم و الله لقد كان قالت فو الله ما قدرت على أن أقضى حاجتي و رجعت فو الله ما زلت أبكى حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي قالت و قلت لأمي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به و لا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت أي بنية خففى عليك الشأن فو الله لقلّ ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن و كثر الناس عليها قالت و قد قام رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فخطبهم و لا أعلم بذلك فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذوننى في أهلي و يقولون عليهم غير الحق و الله ما علمت عليهم إلا خيرا، و يقولون ذلك لرجل و الله ما علمت منه الا خيرا، و لا يدخل بيتا من بيوتي إلا و هو معى، قالت و كان كبر ذلك عند عبد الله بن أبىّ بن سلول في رجال من الخزرج مع الّذي قال مسطح و حمنة بنت جحش و ذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و لم تكن امرأة من نسائه تناصينى في المنزلة عنده غيرها فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا و أما حمنة فاشاعت من ذلك ما أشاعت تضارنى لأختها فشقيت بذلك فلما قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم تلك المقالة قال أسيد بن حضير يا رسول الله ان يكونوا من الأوس نكفيكهم و ان يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فو الله انهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت فقام سعد بن عبادة و كان قبل ذلك يرى رجلا صالحا فقال كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم أما و الله ما قلت هذه المقالة الا انك قد عرفت انهم من الخزرج و لو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد بن حضير كذبت لعمر الله و لكنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت و تساور الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس و الخزرج شر، و نزل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فدخل عليّ فدعا عليّ بن أبى طالب و أسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثنى خيرا و قاله ثم قال يا رسول الله أهلك و ما نعلم منهم الا خيرا و هذا الكذب و الباطل. و أما على فإنه قال يا رسول الله ان النساء لكثير و انك لقادر على أن تستخلف و سل الجارية فإنها ستصدقك. فدعا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بريرة يسألها قالت فقام اليها عليّ فضربها ضربا شديدا و يقول: أصدقى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. قالت فتقول و الله ما أعلم الاخيرا و ما كنت أعيب على عائشة شيئا الا انى كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتى الشاة فتأكله. قالت ثم دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و عندي أبواي و عندي امرأة من الأنصار و أنا أبكى و هي تبكى فجلس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا عائشة انه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقى الله و ان كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي الى الله فان الله يقبل التوبة عن عباده. قالت فو الله ان هو الا أن قال لي ذلك فقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئا و انتظرت أبويّ أن يجيبا عنى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فلم يتكلما. قالت و أيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي و أصغر شأنا من أن ينزل الله فىّ قرآنا يقرأ به و يصلى به، و لكنى كنت أرجو أن يرى النبي صلّى الله عليه و سلّم في نومه شيئا يكذّب الله به عنى لما يعلم من براءتي و يخبر خبرا و أما قرآنا ينزل فىّ فو الله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك قالت فلما لم أر أبويّ يتكلمان قلت لهما ألا تجيبان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم؟ فقالا و الله ما ندري بما نجيبه. قالت و الله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبى بكر في تلك الأيام قالت فلما استعجما عليّ استعبرت فبكيت ثم قلت و الله لا أتوب الى الله مما ذكرت أبدا و الله انى لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس و الله يعلم انى منه بريئة لأقولن ما لم يكن و لئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني قالت ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت و لكن سأقول كما قال أبو يوسف «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ الله الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» قالت فو الله ما برح رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجى بثوبه و وضعت وسادة من أدم تحت رأسه فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فو الله ما فزعت و ما باليت قد عرفت انى بريئة و ان الله غير ظالمي و أما أبواي فو الّذي نفس عائشة بيده ما سرّى عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم حتّى ظننت لتحرجن أنفسهما فرقا من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس. قالت ثم سرّى عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فجلس و انه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن وجهه و يقول: أبشرى يا عائشة قد أنزل الله عز و جل براءتك. قالت قلت الحمد للَّه. ثم خرج الى الناس فحطبهم و تلا عليهم ما أنزل الله عز و جل من القرآن في ذلك ثم أمر بمسطح بن أثاثة و حسان بن ثابت و حمنة بنت جحش و كانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدّهم. [2]
المنابع:
جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 18، ص69
البداية و النهاية،ج 4، ص160 و 161
[1]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 18، ص69
[2]البداية و النهاية،ج 4، ص160 و 161