المباهلة

المباهلة

المباهلة من البهل و هو نوع من الدعاء يقترن مع الإخلاص والإصرار، والتوسّل، والأنين، والعويل. قال الخلیل: باهَلتُ فُلاناً، أي: دَعَونا عَلَى الظّالِمِ مِنّا، وبَهَلتُهُ: لَعَنتُهُ. وَابتَهَلَ إلَى اللَّهِ فِي الدُّعاءِ، أي: جَدَّ وَاجتَهَدَ.[1]

وبناء على ذلك فاللعن عبارة عن الدعاء على الآخر ليكون بعيداً عن رحمة اللَّه و البهل هو الاجتهاد والإصرار في اللعن، ولذلك فإنّ الشخص الذي يصرّ ويتوسّل في الدعاء واللعن يسمى المبتهل. و المباهلة علاقة بين شخصين، أو مجموعتين متخاصمتين و الابتهال يكون دعاء للمبتهل فقط، فكلّ مباهلة ابتهال ولا عکس.

(المباهلة في الكتاب والسنة):

لم تستخدم كلمة المباهلة في القرآن الكريم، وإنّما استخدمت كلمة «نبتهل» مرّة واحدة فی آیة و سميت بآية المباهلة قال تعالی: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ».[2]

أمّا في الأحاديث الإسلامية والمصادر التاريخيّة فقد استخدمت هذه الكلمة ومشتّقاتها بكثرة لبيان شأن نزول آية المباهلة. وقد روي نصّ هذا الحديث بشكل موجز وقصير أحياناً، ومقترناً مع قصّته التاريخيّة أحياناً اخرى ، و أقصر الروايات رواية مسلم النيسابوري عن سعد ابن أبي وقاص: لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ» دَعا رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّاً وفاطِمَةَ وحَسَناً وحُسَيناً عليهم السلام فَقالَ: اللَّهُمَّ هؤُلاءِ أهلي.[3] وأطول الروايات، رواية السيد ابن طاووس.[4]

نقل حديث المباهلة في المصادر الحديثية والتفسيرية والتاريخية والكلامية المختلفة لأتباع أهل البيت وأهل السنة. و الاکثر قد أيّدوا تواتره أو صحّته، يقول الحاكم النيسابوري: وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبداللَّه بن عبّاس وغيره أنّ رسول اللَّه أخذ يوم المباهلة بيد عليّ و حسن وحسين و جعلوا فاطمة وراءهم، ثمّ قال: هؤُلاءِ أبناءُنا وأَنفُسُنا ونِساءُنا.[5] فالشكّ في صحّة هذا الحديث أو تحريفه من خلال إضافة أسماء أشخاص آخرين إلى الأشخاص الأربعة أو حذف بعضهم ، مردّه الجهل والعناد، أو جفاء أهل بيت الرسالة، أو بغضهم، ولا قيمة علمية له.[6]

(أرضيّات حادثة المباهلة):

أدّى فتح مكّة في السنة الثامنة من الهجرة على يد جيش الإسلام دون سفك للدماء، إلى الازدهار التدريجي لنفوذ الإسلام الثقافي والسياسي في الحجاز، بل وفي جميع أنحاء العالم، ولذلك فقد حظيت المدينة باهتمام الزعماء الدينيين والسياسيّين في العالم.

وقد هيّأت هذه الظاهرة الثقافية والسياسية، أرضيّةً مناسبة لأن يدعوهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الدخول في الإسلام، أو الاعتراف بالدولة الإسلامية والالتزام بمقرّراتها؛ و ذلك من خلال إرسال السفراء والكتب إلى زعماء العالم السياسيّين والدينيّين وخاصّة في المناطق الأقرب إلى المدينة.

وبالطبع فإنّ الكثير من الأشخاص الذين خاطبهم النبيّ صلى الله عليه و آله في كتبه كانوا يرغبون في التعرّف عن كثب على مركز الثورة الإسلامية ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله، عبر القدوم إلى المدينة، ولذلك فقد كانت وفود القبائل العربية تتوافد على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تدريجياً في السنة التاسعة من الهجرة، ولهذا سمّى المؤرّخون هذه السنة «عام الوفود».

وقد كان كتاب النبي صلى الله عليه و آله إلى نصارى نجران من جملة الكتب التي بعثها صلى الله عليه و آله في السنة التاسعة من الهجرة، و هذا نصها: «بِسمِ إلهِ إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعقوبَ، مِن مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسولِ اللَّهِ إلى اسقُفِّ نَجرانَ، وأَهلِ نَجرانَ: إن أسلَمتُم فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللَّهَ إلهَ إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعقوبَ، أمّا بَعدُ: فَإِنّي أدعوكُم إلى عِبادَةِ اللَّهِ مِن عِبادَةِ العِبادِ، وأَدعوكُم إلى وِلايَةِ اللَّهِ مِن وِلايَةِ العِبادِ، فَإِن أبَيتُم فَالجِزيَةُ، فَإِن أبَيتُم فَقَد آذَنتُكُم بِحَربٍ، وَالسَّلامُ».[7] وبعد إرسال هذا الكتاب، قدم إلى المدينة وفد رفيع المستوى من زعماء نصارى نجران وأخذوا يحاورون النبيّ صلى الله عليه و آله، ولكنهّم لم يُذعنوا للبراهين الواضحة التي قدّمها النبيّ صلى الله عليه و آله، لإثبات الرسالة، بسبب التعصّب والعناد ولذلك لم تتمخّض محادثاتهم عن نتيجة. عندها نزلت الآية و فيها أمرٌ للنبيّ صلى الله عليه و آله بأن يعرض عليهم المباهلة كي يقضي اللَّه تعالى نفسه بين مدّعي النبوة والنصارى ويفضح الكاذب منهما. وقد كان اقتراح النبي صلى الله عليه و آله هذا أكثر فاعلية من أيّ دليل وبرهان آخر عند خاصة المسلمين وعامتهم والمسيحيّين من أجل حسم المجادلات بينه وبين وفد نصارى نجران، إلّاأنّ زعماء نصارى نجران الذين كانوا قد وافقوا على هذا الاقتراح، انصرفوا عن القيام بها بعد أن حضروا في المكان المتّفق عليه في اليوم الموعود وشاهدوا علامات صدق رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأحقّيّته، فرضخوا للتوقيع على معاهدة الصلح التي حدّد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله شروطَها ودفع الجزية.

ثم ان حادثة المباهلة تحظى بأهمّية كبيرة وتتمثّل أبرز الملاحظات التي نراها في هذه الحادثة في:

1. إثبات أحقيّة الإسلام في مقابل المسيحية

2. إثبات انحياز الإسلام للمنطق والسلام

3. إثبات أفضلية أهل البيت عليهم السلام

4. إثبات خلافة الإمام علي عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه و آله بشكل مباشر.

تفيد بعض الروايات بأنّ اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة، هو يوم ميعاد مباهلة النبيّ صلى الله عليه و آله مع ممثّلي نصارى نجران، حيث امتنعوا عن المباهلة وقبلوا المصالحة. تذکر آداباً وأعمالًا لهذا اليوم ينبغي الاهتمام بها من أجل الانتفاع من بركاته وإحياء ذكرى حادثة المباهلة.

و الجدیر بالذکر انه يمكننا أن نستنبط من آية المباهلة الشرعيّة العامّة للمباهلة لإثبات الحقّ واتّضاحه بعد إقامة البرهان عليه، كما أنّ الروايات وسيرة أئمّة الدين قد دلّت على ذلك أيضاً، ولذلك من أفتَی الفقهاء بشرعيّة المباهلة المطلقة لإثبات الحق.[8]

المنابع:

العين: ص 100

صحيح مسلم: ج 4، ص 1871

الإقبال: ج 2 ص 310،

بحار الأنوار: ج 21 ،ص 286

معرفة علوم الحديث: ص 50

الميزان في تفسير القرآن: ج 3 ، ص 375

تفسير ابن كثير: ج 2، ص 43

البداية والنهاية: ج 5، ص 53

موسوعة معارف الكتاب و السنة، ج 10، ص 249 - 259

 

[1]العين: ص 100

[2]آل عمران: 61

[3]صحيح مسلم: ج 4، ص 1871 ح 32

[4]الإقبال: ج 2 ص 310، بحار الأنوار: ج 21 ،ص 286

[5]معرفة علوم الحديث: ص 50

[6]الميزان في تفسير القرآن: ج 3 ، ص 375

[7]تفسير ابن كثير: ج 2، ص 43، البداية والنهاية: ج 5، ص 53

[8]موسوعة معارف الكتاب و السنة، ج 10، ص 249 – 259 اخذنا المقالة منها مع تلخیص و تغییر یسیر.