الخوارج

الخوارج

الخوارج هم الذین خرجوا عن طاعة الإمام عليّ عليه السلام و أثاروا حرب النهروان. اشیر الیهم فی المأثور من تفسیر اهل البیت علیهم السلام. ففی البرهان انه لما نزلت: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ »[1] قال رسول الله: تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى خَمْسِ رَايَات...ثم تَرِدُ عَلَيَّ رَايَةُ ذِي الثُّدَيَّةِ مَعَ أَوَّلِ الْخَوَارِجِ وَ آخِرِهِمْ، فَأَسْأَلُهُمْ: مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي؟ فَيَقُولُونَ: أَمَّا الْأَكْبَرُ فَمَزَّقْنَاهُ فَبَرِئْنَا مِنْهُ، وَ أَمَّا الْأَصْغَرُ فَقَاتَلْنَاهُ وَ قَتَلْنَاهُ. فَأَقُولُ: رِدُوا إِلَى النَّارِ ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ...ثُمَّ تَلَا الآیة.[2] و عن الصادق علیه السلام فی قوله تعالی:«الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ »[3] اولَئِكَ الْخَوَارِجُ وَ أَصْحَابُهُمْ.[4]

نشوء الخوارج:

لما أحسّ معاوية الهزيمة النكراء فالتجأ إلى خديعة نادرة، حيث أمر بالقُرّاء انّ يربطوا مصاحفهم برباط، واستقبلوا علياً بخمسمائة مصحف منادين هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم فاختلف أصحاب عليّ في الرأي. ففوجئ علي عليه السلام بمجي ء زهاء عشرين ألفاً مقنّعين في الحديد شاكي سيوفهم وقد اسودّت جباههم من السجود فنادوه: أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذا دُعيت وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفان. لم يجد الإمام بدّاً من إيقاف الحرب وتسليم الأمر إلى حكم القوم كُرهاً. ثم لما تمّ الاتّفاق ندمت الزمرة الّتي فرضت على علي إيقاف الحرب فحاولوا أن يفرضوا على علي نقض العهد قائلين بأنّ عملنا هذا يخالف قوله سبحانه:«إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» فأبى علي أن يرجع وأبى هؤلاء إلّاتضليل التحكيم.

رجع الإمام الی الكوفة وامتنعت المحكّمة عن الدخول، وذهبوا إلى قرية «حروراء» كما ذهب قسم منهم إلى معسكر نخيلة اعتراضاً على علي وحكمه. و من افعالهم: التظاهر ضد علي عليه السلام بقولهم: «لا حكم إلّا للَّه»، تكفير علي عليه السلام وأصحابه الذين وفوا بالميثاق و تأمين أهل الكتاب وإرهاب المسلمين وقتل الأبرياء. ولكن الإمام عليه السلام قابلهم بالحنان والشفقة.

أوكل الأمر إلى الحكمين ليرفعا ما رفع القرآن ويخفضا ما خفض القرآن، ولكن خدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري، فلمّا بلغ علياً ما جرى بين الحكمين من الحكم على خلاف كتاب اللَّه سنّة رسوله قام خطيباً رافضاً ما حكما به و استعد للمسير إلى الشام. فجاءته الأخبار عن الأفعال الشنيعة للخوارج الذين كانوا مجتمعين في النهروان، أتمّ الإمام الحجة عليهم ثم عبّأ الناس لقتالهم وانتهت الحرب لصالح علي وإبادة الخوارج.

كانت الخوارج من أهل القبلة ومن أهل الصلاة والعبادة، فلم يكن قتالهم أمراً هيّناً، ولم يكن يجترئ عليه غير علي عليه السلام. و لما قتل الخوارج وأفلت منهم من أفلت، قال بعض أصحاب الإمام: هلك القوم بأجمعهم. فقال:كلّا، واللَّه إنّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلّما نجم منهم قرن قطع، حتّى يكون آخرهم لصوصاً سلّابين. و القوم صاروا بعد ذلك لصوصاً سلّابين، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت، ورجالها فنيت، ولكن لم يكن الخوارج كلّهم متواجدين فيها، بل كانوا متفرقين في البصرة، ونقاط مختلفة من العراق.

الأُصول الفكرية للخوارج:

كانت الخوارج على رأي واحد إلى عصر عبد اللَّه بن الزبير عام 64 ه، وكانت آراؤهم تنحصر في أُصول بسيطة تتلخّص في:

تكفير مرتكب الكبيرة.

إنكار مبدأ التحكيم.

تكفير عثمان وعلي ومعاوية وطلحة والزبير ومن سار على دربهم ورضى بأعمال عثمان وتحكيم علي.

فرق الخوارج:

افترق الخوارج إلى فرق مختلفة لفوارق بسيطة، و هی الأزارقة، النجدية، البيهسية، الصفرية، و قد بادت ولم يبق إلّا الإباضية. و هم اتباع هو عبد اللَّه بن إباض المقاعسي. اشتهرت بالإباضية من أوّل يوم و قام باسمها دولة في عمان استقلّت عن الدولة العباسية في عهد أبي العباس السفّاح سنة 132 ه، ولا تزال إلى اليوم.

ثم إنّ كتّاب الإباضية في العصر الحاضر وما قبله يتحرّجون من أن يعدّوا من فرق الخوارج، ويعتقدون انّه مذهب نجم في أواخر القرن الأوّل بيد مؤسسه عبد اللَّه بن إباض و جابر بن زيد العُماني، فكان الأوّل قائداً مخطّطاً، والثاني قائداً دينياً. يقولون: إنّ الخوارج هم المتطرفون كالأزارقة غيرهم الذين لا يعتنقون هذا المبدأ وما شابهه فليسوا من الخوارج. وقد بذلت الإباضية في العصور الأخيرة جهوداً في سبيل تنزيههم عن الانتساب إلى هذه الطائفة.

المعروف بين كتّاب الفرق انّ الإباضية يحبون الشيخين ويبغضون الصهرين، غير أنّ كتّاب الإباضية في هذا العصر ينكرون هذه النسبة، ولكن لا يمكننا التجاهل بأنّهم يحبون المحكِّمة الأُولى، ويعتبرونهم أئمة وهم قُتلوا بسيف علي.

المذهب الإباضي يدّعي أنّه يعتمد في أُصوله على الكتاب والسنّة، والمشهور عنهم إنّهم رجال تقييد لا تقليد، أي أنّهم يتقيّدون بالكتاب والسنّة وبما تقيد والتزم به السلف الصالح. وقد اشتهر عنهم لا سيّما في القرون الأُولى بإغناء العقل عن السمع في أوّل التكليف. و لهم فتاوى فقهية شاذة لا توافق الكتاب والسنّة. و من عقائدهم:

تخطئة التحكيم، أي إدلاء الأمر إلى الحكمين في حرب صفين بعد رفع المصاحف فوق الرماح، وهذا الأصل يتّفق فيه عامة فرق الخوارج. ويتميّزوا به عن كافة فرق المسلمين.

عدم اشتراط القرشية في الإمام.

الشفاعة دخول الجنة بسرعة.

ان مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملة.

التولّي والتبّري والوقوف.[5]

المنابع:

البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 445

المذاهب الاسلامية، ص 120

 

[1]آل عمران: 106 - 107

[2]البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 675

[3]الانعام: 82

[4]البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 445

[5]المذاهب الاسلامية (للسبحانی)، ص 140- 120 بتلخیص.