أصحاب الكساء

أصحاب الکساء

الکساء : اللّباس .[1] و أصحاب الکساء هم الذین القی رسول الله صلی الله علیه و آله الکساء علیهم و دعی لهم عندما نزلت قوله تعالی: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا»[2] و هم خمسة رسول الله و علی و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام.

روی الطبری باسناده عن أبي سعيد الخدري، عن أم سلمة، قالت: لما نزلت هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا، فجلل عليهم كساء خيبريا، فقال:" اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا" قالت أم سلمة: أ لست منهم؟ قال: أنت إلى خير.[3]

تعدّ حادثة الكساء من أهمّ الحوادث التي جرت في تأريخ النبيّ صلى الله عليه و آله والتي من شأنها التعريف بقادة الدين للُامّة الإسلامية، ومن النقاط الواضحة والبارزة في فضائل أهل البيت عليهم السلام،

هذه الحادثة ممّا لا تحتمل الخدشة والترديد فيها، فقد رواها كبار المحدّثين في كتبهم المعتبرة، ولهذا فإنّ حديث الكساء من الأحاديث المستفيضة بحسب الاصطلاح، بل من خلال التتبّع الواسع والتحقيق يمكن دعوى تواتره. وعلى أيّ حال، فإنّه توجد قرائن كثيرة على صحّته، ومن كان له اطّلاع في التاريخ الإسلامي لا يمكنه إنكار هذه الواقعة التاريخية أو التشكيك فيها، فقد اشتهرت في المجتمع الإسلامي بشكل بحيث اطلق على يومها «يوم الكساء»، وعرف الخمسة الأطهار الذين عمّهم الفضل الإلهي في ذلك اليوم بأصحاب الكساء.

لو راجعنا الأحاديث الواردة في هذه الواقعة التاريخية لوجدنا أنّه لم يرد في واحد منها ذكر الواقعة بشكل كامل، وإنّما تعرّض كلّ منها لجزء من هذه القضيّة، ولهذا فإنّنا سنحاول أن نستعين بجميع هذه النصوص لاستعراض صورة كاملة نسبيّاً عن هذه الحادثة:

أتى النبيّ صلى الله عليه و آله ذات يوم إلى بيت زوجته المكرّمة امّ سلمة، وكان من المقرّر أن ينزل عليه من اللَّه أمر مهمّ فيما يخصّ عدداً من مقرّبيه، ولهذا فإنّ النبيّ كان قد أوصى امّ سلمة بأن لا تسمح لأحد بالدخول إلى بيتها. من جهة اخرى فإنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت قد صمّمت أن تصنع عصيدة لأبيها صلى الله عليه و آله، فصنعتها في قدر من حجر، ووضعته في طبق وجاءت به لأبيها.

تقول امّ سلمة: لم أتمكّن من منع فاطمة عن الدخول، وكيف تتمكّن امّ سلمة من منع فاطمة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهي بضعته وفلذة كبده؟ بل إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما أخلى بيته لفاطمة وبعلها وابنيها! فجاءت فاطمة بطبق الطعام للنبيّ صلى الله عليه و آله، فقال لها النبيّ صلى الله عليه و آله:

اذهبي وائتيني ببعلك وولديك. فما لبثت فاطمة أن رجعت إلى بيتها، وبعد سويعة أقبلت مع بعلها وولديها- وكانا عندئذ طفلين صغيرين- فدخلت بيت النبيّ صلى الله عليه و آله.

وقامت امّ سلمة بإشارة من النبيّ صلى الله عليه و آله وتنحّت جانباً وأخذت تصلّي، فصار المجلس مجلساً خاصّاً، وجلس النبيّ صلى الله عليه و آله إلى جانب عليّ عليه السلام- الذي كان يراه نفسه- وفاطمة- التي كان يقول: إنّها بضعة منّي- وولديه الحسن والحسين- اللذين كان يقول في حقّهما: «هما ريحانتيّ من الدنيا»- فاجتمع هولاء الخمسة عليهم السلام لوحدهم على الخوان، في حين أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان من عادته أن لا يأكل بدون زوجته، إلّا أنّ الوضع في هذا اليوم هو بنحو آخر؛ فالجلوس على الخوان أفراد خاصّون، مضافاً إلى أنّه لو دعا امّ سلمة للأكل معه هذا اليوم فإنّ كلام اللَّه سبحانه حول أهل البيت سوف يفهم بشكل آخر، ولهذا فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يدعُ امّ سلمة لتناول الطعام بشكل استثنائي. فنزل جبرئيل الأمين على النبيّ صلى الله عليه و آله بهذه الآية الكريمة: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.[4]

فمدّ النبيّ صلى الله عليه و آله كساءً خيبريّاً على صهره وابنته وولديهما، ورفع يديه نحو السماء وقال: اللَّهُمَّ هؤلاءِ أهلُ بَيتي، اللّهُمَّ أذهِب عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُم تَطهيراً. وفي رواية أخرى: اللَّهُمَّ هؤلاءِ أهلُ بَيتي وخاصَّتي فَاذهَب عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُم تَطهِيرَاً وفي رواية ثالثة: اللَّهُمَّ إنَّ هؤلاءِ آلُ مُحَمَّدٍ فَاجعَل صَلَواتِكَ وبَرَكاتِكَ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.

حتّى ذلك الحين كانت امّ سلمة في جانب من البيت، وهي تنظر إلى هذه القضيّة النورانيّة، فلمّا رأت ما ذكرناه لم تطق البقاء جانباً، بل أقبلت وجلست إلى جانب الكساء وأخذت طرفه لتدخل تحته وتصير مشمولة بهذه الفضيلة، إلّاأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله سحب الكساء من يدها ومنعها من الدخول في أهل بيته القرآنيّين. وكأنّه دخل قلب امّ سلمة من ذلك شي ء، فقالت: أنا يا رسول اللَّه، ألست من أهل البيت؟ قال: إنَّكِ إلى خَيرٍ، أنتِ مِن أزواجِ النَّبِيِّ.

التأمّل في حادثة الكساء والأحاديث الواردة فيها يرشدنا إلى أنّ هذه الحادثة ليست كما يصوّره بعض الكتّاب من أنّها قضيّة عاديّة، وصارت فيما بعد ذات أهمّية كبرى. وإنّما هي بسبب الأجواء الخاصّة المحدقة بها وارتباطها بنزول آية التطهير تعدّ من الحوادث التاريخية الاستثنائية في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله في مجال التعريف بقادة الامّة الإسلامية من بعده. فإنّ نصّ الحديث النبوي والكثير من الأحاديث الواردة في بيان حادثة الكساء يكشف بوضوح أنّ هذه الحادثة كانت عند نزول آية التطهير، وبهدف تفسيرها وتبيين المراد منها، ولهذا فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يدعو لهم حتّى آخر عمره الشريف، وكان يناديهم بعنوان «أهل البيت»، وهذا ما يكشف عن أهمّية الحادثة المذكورة.[5]

المنابع:

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 22، ص6

مفردات ألفاظ القرآن، ص711

موسوعة معارف الكتاب و السنة، ج 6، ص30

 

[1]مفردات ألفاظ القرآن، ص 711

[2]الأحزاب: 33

[3]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 22، ص 6

[4]الأحزاب: 33

[5]موسوعة معارف الكتاب و السنة، ج 6، ص 30