أبو سفيان صخر بن حرب
هو أبو سفيان و أبو حنظلة صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة القرشيّ، الأموي، المكّي، و أمّة صفيّة بنت حرب، و قيل: حزن الهلاليّة، و زوجته هند بنت عتبة.
أحد رجالات قريش و شخصيّاتهم المعروفين بالشرك و الكفر و عبادة الأوثان، و كانت إليه راية الرؤساء المسمّاة بالعقاب، و إذا حميت لهم حرب اجتمعت قريش فوضعتها بين يديه، و هو أصل الشجرة الأمويّة البغيضة الملعونة، و والد معاوية و جدّ يزيد.
كان شجاعا فاتكا، شاعرا، تاجرا، و من أثرياء قومه، و كان يتجر في الزيت و الأدم إلى بلاد الشام و بلاد العجم و غيرها؛ ولد قبل عام الفيل بعشر سنين، و أصبح من ألدّ خصوم النبي صلّى اللّه عليه و آله و الإسلام و المسلمين، و حجر عثرة أمام انتشار الشريعة الغرّاء.
قام بتجميع الأحزاب و الجيوش لمقارعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و إيقاف دعوته، و بذل أموالا طائلة و جهودا جبّارة ليصدّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عن دعوته، فكان بنفاقه و أمواله و كل ما لديه من حول و قوّة رأس كل فتنة و مؤامرة حاكتها قريش على النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين.
لعنه النبي صلّى اللّه عليه و آله في مواطن عديدة، منها: ما روي عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب بأنه قال: «إنّ أبا سفيان ركب بعيرا له ليلة العقبة، و معاوية يقوده، و يزيد يسوقه، فرآهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: اللّهمّ العن الراكب و القائد و السائق».
و لعنه النبي صلّى اللّه عليه و آله في مناسبات أخر، منها: يوم هجرته من مكّة إلى المدينة، و يوم العير، و يوم أحد حيث قاد أبو سفيان قريشا كلّها لحرب المسلمين، و يوم الخندق، و يوم الحديبية و غيرها.
و يوم مات عمر بن الخطاب و تسلّم الحكم عثمان بن عفّان قال لعثمان: بأبي أنت و أمّي تداولوها يا بني أميّة تداول الولدان للكرة، فو اللّه! ما من جنّة و لا نار.
و قال الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام في محضر معاوية بن أبي سفيان و أصحابه: أنشدكم باللّه أ تعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين بن علي عليهما السّلام حين بويع عثمان بن عفّان و قال: يا بن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد- مقبرة المدينة المنورة- فخرجا حتى توسّطا القبور، فصاح أبو سفيان بأعلى صوته: يا أهل القبور؛ الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا و أنتم رميم، فقال الحسين عليه السّلام: قبّح اللّه شيبتك، و قبّح اللّه وجهك، ثم نتر يده و تركه.
قال عبد اللّه بن العبّاس: و اللّه ما كان أبو سفيان إلّا منافقا. يقال: إنّه أسلم ليلة فتح مكة سنة 8 ه، خوفا من القتل، و استعمله النبي صلّى اللّه عليه و آله على نجران، و شهد مع النبي صلّى اللّه عليه و آله حنينا و الطائف، و في يوم الطائف فقئت إحدى عينيه، و اشترك في واقعة اليرموك، و فيها فقئت عينه الأخرى.
و بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله رجع إلى مكّة و أقام بها مدّة ثم رجع إلى المدينة، و لم يزل بها حتى هلك، و قيل: هلك بدمشق و هو أعمى سنة 31 ه، و قيل: سنة 32 ه، و قيل:سنة 34 ه، و قيل: سنة 33 ه، و صلّى عليه عثمان بن عفان، و دفنوه في البقيع بالمدينة المنوّرة. و كان عمره يوم مات 88 سنة، و قيل: 93 سنة.
اتّفق هو و كافر آخر يدعى كعب بن الأشرف على محاربة النبي صلّى اللّه عليه و آله في معركة أحد، فنزلت فيهما الآية 12 من سورة آل عمران: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ».
و لكونه كان و من على شاكلته من المشركين يبذلون أموالا طائلة يوم واقعة بدر للقضاء على النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين نزلت فيهم الآية 117 من نفس السورة: «مَثَلُ ما ينْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ...».
بعد معركة أحد أوقع اللّه الرعب في نفوس أتباعه و سائر المشركين، فنزلت فيهم الآية 151 من نفس السورة: «سَنُلْقِي فِي قلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ...».
و نزلت فيه و في أتباعه الآية 172 من السورة نفسها: «الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بعْدِ ما أَصابهُمُ الْقَرْحُ ...».
و شملته الآية 25 من سورة الأنعام: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يفْقَهُوهُ ...».
بعد أن انكسر الكفار في واقعة بدر و أصابهم الفشل و الخسران اجتمع ابو سفيان بجماعة من الكفار و قرّروا جمع الأموال و العتاد لغزو النبي صلّى اللّه عليه و آله، فنزلت فيهم الآية 36 من سورة الأنفال: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ينْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يغْلَبُونَ ...».
كان يبذل الأموال الكثيرة لإطعام الكفّار و المشركين، و يمتنع عن إطعام المسلمين أتباع النبي صلّى اللّه عليه و آله، فنزلت فيه الآية 9 من سورة التوبة: «اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنهُمْ ساءَ ما كانُوا يعْمَلُونَ».
كان هو و بعض المشركين يستمعون إلى قراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو يتلو القرآن ثم يقولون باستهزاء للنبي صلّى اللّه عليه و آله: قلوبنا في أكنّة لا نفقه ما تقول، و في آذاننا وقر لا نسمع ما تقول، و بيننا و بينك حجاب قد حال بيننا و بينك، فاعمل بما أنت عليه إنّنا عاملون بما نحن عليه، إنّا لا نفقه منك شيئا، فأنزل اللّه فيه و في أصحابه الآية 45 من سورة الإسراء: «وَ إِذا قرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بيْنَكَ وَ بيْنَ الَّذِينَ لا يؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً».
و لنفس السبب نزلت فيهم الآية 46 من نفس السورة: «وَ جَعَلْنا عَلى قلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نفُوراً».
جاء هو و جماعة من المشركين إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، و طلبوا منه أشياء إن نفّذها لهم آمنوا به و تبعوه، فتحدّثت عن ذلك الآيات 90 و 91 و 92 و 93 من سورة الإسراء.
كان هو و أبو جهل يكثران من الاستهزاء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، فنزلت فيهما الآية 36 من سورة الأنبياء: «وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ َیتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ...».
قام المترجم له و أعوانه من المشركين بمنع النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أداء عمرة الحديبية، فنزلت فيهم الآية 25 من سورة الحجّ: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً ...».
بعد أن غضب اللّه على قريش لكفرهم و شركهم و بعد أن أصابتهم سنو الجدب و القحط جاء أبو سفيان إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال: أنشدك اللّه و الرّحم أنّك تزعم بعثت رحمة للعالمين، قال صلّى اللّه عليه و آله: بلى! فقال أبو سفيان: قد قتلت الآباء بالسيف و الأبناء بالجوع، فنزلت فيه الآية 76 من سورة المؤمنون: «وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يتَضَرَّعُونَ».
بعد معركة أحد قدم هو و جماعة من المشركين إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و قالوا: لا تذكر آلهتنا- اللات و العزّى و مناة- و قل: إنّ لها شفاعة و منفعة لمن عبدها، و ندعك و ربّك، فنزلت فيه و فيهم الآية 1 من سورة الأحزاب: «يا أَيهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً».
جعله اللّه من جملة الكافرين في الآية 11 من سورة محمّد: «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ».
و لكونه كان من الذين ساءت أعمالهم و اتّبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام شملته الآية 14 من نفس السورة: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتبَعُوا أَهْواءَهُمْ».
كان من الذين يتفاخرون على غيرهم بأموالهم و أنسابهم، فنزلت فيهم الآية 13 من سورة الحجرات: «يا أَيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: الأمر بعدك لمن؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى، فنزلت في أبي سفيان الآية 1-3 من سورة النبإ: «عَمَّ يتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ».
كان أبو سفيان في كل أسبوع ينحر جزورين، و في إحدى المرّات جاءه يتيم فسأله شيئا، فنهره و طرده، فنزلت فيه الآية 1-3 من سورة الماعون: «أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ».[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 506 - 510
[1]أعلام القرآن، ص 506 - 510