الجزیة
المجموعات : الأعداد والمقادیر

الجزیة

الأصل في هذه المادّة الجزاء، أي المكافأة؛ و الجزية: خراج الأرض و ما يؤخذ من الذّمّيّ، كأنّها جزت عن قتله، و الجمع: جزى و جزي. و وردت «الجزية» أيضا في بعض اللّغات السّاميّة بألفاظ مختلفة، كما وردت في اللّغة الفارسيّة القديمة «الفهلويّة» بلفظ «گزيت». و قد كشفت المعالم الأثريّة في اليمن عن عراقة هذا اللّفظ و أصالته العربيّة؛ إذ جاء ذكره في النّصوص المعينيّة القديمة. و لكنّ «آرثر جفري» تشبّت في «مفرداته» برأي أحد نظرائه القائل بأعجميّته، ريثما تترجم هذه النّصوص ترجمة صحيحة كما زعم، حتّى يمكن الرّكون إليها.

الجزية: «الفعلة» مثل القعدة و الجلسة، تعني مقدار ما يدفع و يقضى أو نوعا منه، أو لبيان الهيئة كالرّكبة، من: جزى فلان فلانا ما عليه، و جزى دينه، أي قضاه، سمّي ما يعطيه المعاهد: جزية، لوجوب قضاءه عليه حسب المعاهدة، أو لأنّها تجزي عن قتله و رقبته، أو عن أسره، أو عن كفره، أو لأنّها جزاء ما عاهد المسلمون عليه من الدّفاع عنه، أو لأنّها عطيّة عقوبة جزاء على الكفر باللّه. و لا بأس بأن يكون لكلّ منها دخل فيها.

قال تعالی:«قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ»[1]

قالوا: إنّها نزلت في حرب الرّوم الّذين كانوا من أهل الكتاب- أي غزوة تبوك- كما في الآية، و أريد بهم اليهود و النّصارى، ثمّ ألحق بهم المجوس، و التزم بها بعض المذاهب كالإماميّة، و لا تؤخذ من المشركين عامّة.

و اختلفوا في حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ في موضعين: (عن يد) و (صاغرون). لکن سياق الآية و خصوصا ذيلها عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ يعطي أنّ الجزية إنّما يأخذه المسلمون من أهل الكتاب، من موضع قدرتهم و سلطانهم عليهم و على الدّفاع عنهم، و هم في ذمّة الإسلام، و لا يفهم منها الإهانة بهم بل السّلطة عليهم. و التّاريخ الإسلاميّ يشهد بذلك، فلاحظ النّصوص و لا سيّما نصّ الطّباطبائيّ و مكارم، كي تقنع بذلك، فإنّ السّكينة و الوقار الإسلاميّ- كما قال الطّباطبائيّ- لا يحتمل الإهانة بهم، كيف و المسلمون عاقدوهم على الاحتفاظ بهم و بدينهم.

و الحقّ أنّ اللّه فرّق بالجزية بين أهل الكتاب و المشركين لئلّا يكونوا سواء، و بذلك نجح الإسلام في تسليم أهل الذّمّة للمسلمين و التّعايش معهم و إن صرّحت الآية بأنّ هؤلاء الّذين يؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر في نفس الأمر، إلّا أنّهم يظهرون الإيمان بذلك بألسنتهم، و فرق بينهم و بين المشركين عبدة الأوثان، على أنّ الجزية- كما سبق- بإزاء ما ضمن المسلمون من الدّفاع عنهم، و ليس عوضا عن قتلهم.[2]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 9، ص 576

 

[1]التّوبة: 29

[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 9، ص 576