الکعبة
الكَعْبَة: كلّ بيت على هيئته في التّربيع، و بها سمّيت الكَعبة[1] التي هي قِبلة المسلمين فى بيت اللّه الحرام بمَكّة.[2]
صرّح باسم الکعبة فی آیتین کقوله تعالی:«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ»[3] .
و سمّيت فی القرآن بأسماء کالبیت و البیت الحرام و البیت المعمور و البیت العتیق؛ قال تعالی: «و لله على الناس حج البيت»[4] ، «و لا آمين البيت الحرام»[5] ، «و ليطوفوا بالبيت العتيق»[6] ، «و البيت المعمور»[7] .
و اشیر الیها فی آیات اخر کقوله سبحانه: «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه»[8] فإن الشطر البعض و شطر المسجد الحرام هو الكعبة، و [فیه] محاذاة للحكم في القبلة السابقة فإنها كانت شطر المسجد الأقصى و هي الصخرة المعروفة هناك.[9]
ملخص تاريخ الكعبة:
من المتواتر المقطوع به أن الذي بنى الكعبة إبراهيم الخليل علیه السلام و كان القاطنون حولها يومئذ ابنه إسماعيل و جرهم من قبائل اليمن و هي بناء مربع تقريبا و زواياها الأربع إلى الجهات الأربع تتكسر عليها الرياح و لا تضرها مهما اشتدت.
ما زالت الكعبة على بناء إبراهيم حتى جددها العمالقة ثم بنو جرهم (أو بالعكس) كما مر في الرواية عن أمير المؤمنين علیه السلام.
ثم لما آل أمر الكعبة إلى قصي بن كلاب أحد أجداد النبي صلی الله علیه و اله (القرن الثاني قبل الهجرة) هدمها و بناها فأحكم بناءها، و سقفها بخشب الدوم و جذوع النخل و بنى إلى جانبها دار الندوة، و كان في هذه الدار حكومته و شوراه مع أصحابه، ثم قسم جهات الكعبة بين طوائف قريش فبنوا دورهم على المطاف حول الكعبة، و فتحوا عليه أبواب دورهم.
و قبل البعثة بخمس سنين هدم السيل الكعبة فاقتسمت الطوائف العمل لبنائها و كان الذي يبنيها ياقوم الرومي، و يساعده عليه نجار مصري، و لما انتهوا إلى وضع الحجر الأسود تنازعوا بينهم في أن أيها يختص بشرف وضعه فرأوا أن يحكموا محمدا ص، و سنه إذ ذاك خمس و ثلاثون سنة لما عرفوا من وفور عقله و سداد رأيه، فطلب رداء و وضع عليه الحجر، و أمر القبائل فأمسكوا بأطرافه و رفعوه حتى إذا وصل إلى مكانه من البناء في الركن الشرقي أخذه هو فوضعه بيده في موضعه.
و كانت النفقة قد بهظتهم فقصروا بناءها على ما هي عليه الآن و قد بقي بعض ساحته خارج البناء من طرف الحجر حجر إسماعيل لاستصغارهم البناء.
و كان البناء على هذا الحال حتى تسلط عبد الله بن الزبير على الحجاز في عهد يزيد بن معاوية فحاربه الحصين قائد يزيد بمكة، و أصاب الكعبة بالمنجنيق فانهدمت و أحرقت كسوتها و بعض أخشابها، ثم انكشف عنها لموت يزيد، فرأى ابن الزبير أن يهدم الكعبة و يعيد بناءها فأتى لها بالجص النقي من اليمن، و بناها به و أدخل الحجر في البيت، و ألصق الباب بالأرض، و جعل قبالته بابا آخر ليدخل الناس من باب و يخرجوا من آخر، و جعل ارتفاع البيت سبعة و عشرين ذراعا و لما فرغ من بنائها ضمخها بالمسك و العبير داخلا و خارجا، و كساها بالديباج، و كان فراغه من بنائها 17 رجب سنة 64 هجرية.
ثم لما تولى عبد الملك بن مروان الخلافة بعث الحجاج بن يوسف قائده فحارب ابن الزبير حتى غلبه فقتله، و دخل البيت فأخبر عبد الملك بما أحدثه ابن الزبير في الكعبة، فأمره بإرجاعها إلى شكلها الأول، فهدم الحجاج من جانبها الشمالي ستة أذرع و شبرا، و بنى ذلك الجدار على أساس قريش، و رفع الباب الشرقي و سد الغربي ثم كبس أرضها بالحجارة التي فضلت منها.
و لما تولى السلطان سليمان العثماني الملك سنة ستين و تسعمائة غير سقفها، و لما تولى السلطان أحمد العثماني سنة إحدى و عشرين بعد الألف أحدث فيها ترميما و لما حدث السيل العظيم سنة تسع و ثلاثين بعد الألف هدم بعض حوائطها الشمالية و الشرقية و الغربية فأمر السلطان مراد الرابع من ملوك آل عثمان بترميمها و لم يزل على ذلك حتى اليوم و هو سنة ألف و ثلاث مائة و خمس و سبعين هجرية قمرية و سنة ألف و ثلاثمائة و ثمانية و ثلاثين هجرية شمسية.
شكل الكعبة:
شكل الكعبة مربع تقريبا و هي مبنية بالحجارة الزرقاء الصلبة و يبلغ ارتفاعها ستة عشر مترا، و قد كانت في زمن النبي ص أخفض منه بكثير على ما يستفاد من حديث رفع النبي ص عليا علیه السلام على عاتقه يوم الفتح لأخذ الأصنام التي كانت على الكعبة و كسرها.
و طول الضلع الذي فيه الميزاب و الذي قبالته عشرة أمتار و عشرة سانتيمترات، و طول الضلع الذي فيه الباب و الذي قبالته اثنا عشر مترا، و الباب على ارتفاع مترين من الأرض، و في الركن الذي على يسار الباب للداخل، الحجر الأسود على ارتفاع متر و نصف من أرض المطاف، و الحجر الأسود حجر ثقيل بيضي الشكل غير منتظم لونه أسود ضارب إلى الحمرة، و فيه نقط حمراء، و تعاريج صفراء، و هي أثر لحام القطع التي كانت تكسرت منه، قطرة نحو ثلاثين سانتي مترا.
و تسمى زوايا الكعبة من قديم أيامها بالأركان فيسمى الشمالي بالركن العراقي، و الغربي بالشامي و الجنوبي باليماني، و الشرقي الذي فيه الحجر الأسود بالأسود، و تسمى المسافة التي بين الباب و ركن الحجر بالملتزم لالتزام الطائف إياه في دعائه و استغاثته، و أما الميزاب على الحائط الشمالي و يسمى ميزاب الرحمة فمما أحدثه الحجاج بن يوسف ثم غيره السلطان سليمان سنة 954 إلى ميزاب من الفضة ثم أبدله السلطان أحمد سنة 1021 بآخر من فضة منقوشة بالميناء الزرقاء يتخللها نقوش ذهبية، ثم أرسل السلطان عبد المجيد من آل عثمان سنة 1273 ميزابا من الذهب فنصب مكانه و هو الموجود الآن.
و قبالة الميزاب حائط قوسي يسمى بالحطيم، و هو قوس من البناء طرفاه إلى زاويتي البيت الشمالية و الغربية، و يبعدان عنهما مقدار مترين و ثلاثة سانتيمترات، و يبلغ ارتفاعه مترا، و سمكه مترا و نصف متر، و هو مبطن بالرخام المنقوش، و المسافة بين منتصف هذا القوس من داخله إلى منتصف ضلع الكعبة ثمانية أمتار و أربعة و أربعون سانتي مترا.
و الفضاء الواقع بين الحطيم و بين حائط البيت هو المسمى بحجر إسماعيل، و قد كان يدخل منه ثلاثة أمتار تقريبا في الكعبة في بناء إبراهيم، و الباقي كان زريبة لغنم هاجر و ولدها، و يقال: إن هاجر و إسماعيل مدفونان في الحجر.
كسوة الكعبة:
إن فی الروايات في قصة هاجر و إسماعيل و نزولهما أرض مكة أن هاجر علق كساءها على باب الكعبة بعد تمام بنائها.
و أما كسوة البيت نفسه فيقال: إن أول من كساها تبع أبو بكر أسعد كساها بالبرود المطرزة بأسلاك الفضة، و تبعه خلفاؤه ثم أخذ الناس يكسونها بأردية مختلفة فيضعونها بعضها على بعض، و كلما بلي منها ثوب وضع عليها آخر إلى زمن قصي، و وضع قصي على العرب رفادة لكسوتها سنويا و استمر ذلك في بنيه و كان أبو ربيعة بن المغيرة يكسوها سنة و قبائل قريش سنة.
و قد كساها النبي ص بالثياب اليمانية، و كان على ذلك حتى إذا حج الخليفة العباسي المهدي شكى إليه سدنة الكعبة من تراكم الأكسية على سطح الكعبة، و ذكروا أنه يخشى سقوطه فأمر برفع تلك الأكسية، و إبدالها بكسوة واحدة كل سنة، و جرى العمل على ذلك حتى اليوم، و للكعبة كسوة من داخل، و أول من كساها من داخل أم العباس بن عبد المطلب لنذر نذرته في ابنها العباس.
منزلة الكعبة:
كانت الكعبة مقدسة معظمة عند الأمم المختلفة فكانت الهنود يعظمونها، و يقولون: إن روح «سيفا» و هو الأقنوم الثالث عندهم حلت في الحجر الأسود حين زار مع زوجته بلاد الحجاز.
و كانت الصابئة من الفرس و الكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة، و ربما قيل: إنه بيت زحل لقدم عهده و طول بقائه.
و كانت الفرس يحترمون الكعبة أيضا زاعمين أن روح هرمز حلت فيها، و ربما حجوا إليها زائرين.
و كانت اليهود يعظمونها و يعبدون الله فيها على دين إبراهيم، و كان بها صور و تماثيل منها تمثال إبراهيم و إسماعيل، و بأيديهما الأزلام، و منها صورتا العذراء و المسيح، و يشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضا كاليهود.
و كانت العرب أيضا تعظمها كل التعظيم، و تعدها بيتا لله تعالى، و كانوا يحجون إليها من كل جهة و هم يعدون البيت بناء لإبراهيم، و الحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث.
ولاية الكعبة:
كانت الولاية على الكعبة لإسماعيل ثم لولده من بعده حتى تغلبت عليهم جرهم فقبضوا بولايتها ثم ملكتها العماليق و هم طائفة من بني كركر بعد حروب وقعت بينهم، و قد كانوا ينزلون أسفل مكة كما أن جرهم كانت تنزل أعلى مكة و فيهم ملوكهم.
ثم كانت الدائرة لجرهم على العماليق فعادت الولاية إليهم فتولوها نحو من ثلاثمائة سنة، و زادوا في بناء البيت و رفعته على ما كان في بناء إبراهيم.
ثم لما نشأت ولد إسماعيل و كثروا و صاروا ذوي قوة و منعة و ضاقت بهم الدار حاربوا جرهم فغلبوهم و أخرجوهم من مكة و مقدم الإسماعيليين يومئذ عمرو بن لحي، و هو كبير خزاعة فاستولى على مكة و تولى أمر البيت، و هو الذي وضع الأصنام على الكعبة و دعا الناس إلى عبادتها، و أول صنم وضعه عليها هو «هبل»، حمله معه من الشام إلى مكة و وضعه عليها ثم أتبعه بغيره حتى كثرت و شاعت عبادتها بين العرب، و هجرت الحنيفية.
و كانت الولاية في خزاعة إلى زمن حليل الخزاعي فجعلها حليل من بعده لابنته و كانت تحت قصي بن كلاب، و جعل فتح الباب و غلقها لرجل من خزاعة يسمى أبا غبشان الخزاعي فباعه أبو غبشان من قصي بن كلاب ببعير و زق خمر، و في ذلك يضرب المثل السائر «أخسر ممن صفقة أبي غبشان».
فانتقلت الولاية إلى قريش، و جدد قصي بناء البيت كما قدمناه و كان الأمر على ذلك حتى فتح النبي ص مكة، و دخل الكعبة و أمر بالصور و التماثيل فمحيت، و أمر بالأصنام فهدمت و كسرت، و قد كان مقام إبراهيم و هو الحجر الذي عليه أثر قدمي إبراهيم موضوعا بمعجن في جوار الكعبة ثم دفن في محله الذي يعرف به الآن، و هو قبة قائمة على أربعة أعمدة يقصدها الطائفون للصلاة.
و من خواص هذا البيت الذي بارك الله فيه و جعله هدى أنه لم يختلف في شأنه أحد من طوائف الإسلام .[10]
المنابع:
مفردات ألفاظ القرآن، ص 712
الإفصاح فى فقه اللغة، ج 2، ص1270
الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 325
الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 359
[1]مفردات ألفاظ القرآن، ص 712
[2]الإفصاح فى فقه اللغة، ج 2، ص1270
[3]المائدة: 97
[4]آل عمران: 97
[5]المائدة: 2
[6]الحج: 29
[7]الطور :4
[8]البقرة: 144
[9]الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 325
[10]الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 359