قوم حزقيل
کان حزقیل علیه السلام ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى علیه السلام و ذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل و قد كان يقال له ابن العجوز و ذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد و قد كبرت و عقمت فوهبه الله لها.[1] نزلت الآیة 243 من سورة البقرة في قومه «أ لم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس و لكن أكثر الناس لا يشكرون»
قال الثعلبي - في تفسیره - ذیل الآیة: قال أكثر المفسرين: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط وقع بها الطاعون، فخرجت طائفة هاربين من الطاعون، و بقيت طائفة فهلك أكثر من بقي في القرية، و سلم الذين خرجوا، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا لبقينا، و لئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض نأوي بها، فوقع الطاعون من قابل؛ فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا أفيح، فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة و الحياة ناداهم ملك من أسفل الوادي و آخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعا....
و قال الضحاك و مقاتل و الكلبي: إنما فروا من الجهاد و ذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوهم، فخرجوا فعسكروا ثم جبنوا و كرهوا الموت و اعتلوا، و قالوا لملكهم: إن الأرض التي نأتيها فيها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها الوباء، فأرسل الله تعالى عليهم الموت، فلما رأوا أن الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فلما رأى الملك ذلك قال: اللهم رب يعقوب و إله موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك، فلما خرجوا قال لهم الله: موتوا، عقوبة لهم، فماتوا جميعا، و ماتت دوابهم كموت رجل واحد، فأتى عليهم ثمانية أيام حتى انتفخوا و أروحت أجسادهم، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع و تركوهم فيها. و اختلفوا في مبلغ عددهم، فقال عطاء الخراساني: كانوا ثلاثة آلاف، ابن عباس و وهب: أربعة آلاف، مقاتل و الكلبي: ثمانية آلاف، أبو روق: عشرة آلاف، أبو مالك: ثلاثون ألفا، الواقدي بضعة و مائتين ألفا، ابن جريج: أربعين ألفا، عطاء بن أبي رياح: سبعين ألفا، الضحاك: كانوا عددا كبيرا، و أولى الأقاويل بالصواب قول من قال: زادوا على عشرة آلاف، و ذلك أن الله تعالى قال و هم ألوف و ما دون العشرة لا يقال ألوف، إنما يقال: ثلاثة آلاف فصاعدا إلى عشرة آلاف، فمن الألوف جمع الكثير و جمعه القليل آلاف، مثل يوم و أيام، و وقت و أوقات، و ألف على وزن أفعل.
قالوا: فأتى على ذلك مدة و قد بليت أجسادهم و عريت عظامهم و تقطعت أوصالهم، فمر عليهم نبي يقال له حزقيل بن بوري ثارم أحد خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، و ذلك بأن القيم بأمر بني إسرائيل كان بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون، ثم كالب بن يوفنا، ثم حزقيل، و كان يقال له ابن العجوز و ذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله تعالى الولد، و قد كبرت و عقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل له: ابن العجوز.
قال الحسن و مقاتل: هو ذو الكفل لأنه تكفل سبعين نبيا و أنجاهم من القتل، و قال لهم: اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلما جاء اليهود و سألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، قال: إنهم ذهبوا و لا أدري أين هم، و منع الله ذا الكفل من اليهود، فلما مر حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم متعجبا منهم، فأوحى الله إليه: يا حزقيل تريد أن أريك آية، فأريك كيف أحيي الموتى؟ قال: نعم، فأحياهم الله. هذا قول السدي و جماعة من المفسرين.
و قال هلال بن يساف و جماعة من العلماء: بل دعا حزقيل ربه أن يحييهم، فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك و عبدوك، فقال الله: أ تحب أن أفعل؟ قال: نعم، فأحياهم.
و قال عطاء و مقاتل و الكلبي: بل هم كانوا قوم حزقيل أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام، و ذلك أنهم لما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى و بكى و قال: يا رب كنت في قوم يحمدونك و يسبحونك و يقدسونك و يهللونك و يكبرونك؛ فبقيت وحيدا لا قوم لي، فأوحى الله إليه: إني قد جعلت حياتهم إليك، فقال حزقيل: أحيوا بأمر الله، فعاشوا. و قال: و ثمت أصابهم بلاء و شدة من الزمان فشكوا ما أصابهم و قالوا: ما لبثنا، متنا و استرحنا مما نحن فيه؛ فأوحى الله تعالى إلى حزقيل: إن قومك قد صاحوا من البلاء و زعموا أنهم ودوا لو ماتوا و استراحوا و أي راحة لهم في الموت، أ يظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت، فانطلق إلى جبانة كذا فإن فيها قوما أمواتا، فأتاهم فقال الله: يا حزقيل قم فنادهم، و كانت أجسادهم و عظامهم قد تفرقت، فنادى حزقيل: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي باللحم، فاكتست جميعا باللحم، و بعد اللحم جلدا و دما و عصبا و عروقا و كانت أجسادا، ثم نادى أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك، فقاموا جميعا و عليهم ثيابهم التي ماتوا فيها، و كبروا تكبيرة واحدة.
و روى المنصور بن المعتمر عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك ربنا و بحمدك، لا إله إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم بعد ما أحياهم الله، و تناسلوا و عاشوا دهرا يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت عليهم ..[2]
المنابع:
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 2، ص 604
الكشف و البيان، ج 2، ص 202 الی204
[1]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 2، ص 604، الكشف و البيان، ج 2، ص 203
[2]الكشف و البيان، ج 2، ص 202 و 203