الجَناح
الجناح ما يخفق به الطّائر في الطّيران، و الجمع: أجنحة و أجنح. و جناح الشّي ء: نفسه، و جناح الإنسان: يده، و جناحا الوادي: مجريان عن يمينه و شماله، و جناحا العسكر: جانباه، على التّوسّع.
جاء الجناح بمعناه اللّغويّ الّذي هو الأصل لسائر المعاني و نسب إلى الطّائر کقوله تعالی:«وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ»[1]
و نسب إلى الملائكة کقوله تعالی:«الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»[2]
و امر اللّه النّاس بخفض الجناح للوالدين کقوله:«وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً»[3] و أمر النّبيّ عليه السّلام بخفض جناحه للمؤمنين کقوله:«لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ»[4] .
و فی خفض الجناح قالوا: إنّه مبالغة في التّواضع و لين الجانب و ترك التّجبّر، و إنّه كناية لطيفة ممّا يقع بين الطّائر و فرخه من الملاطفة و التّرحّم بوجهين:
الأوّل: أنّ الطّائر إذا أراد ضمّ فرخه إليه للتّربية خفض له جناحه و أخذ فرخه تحت جناحه، و أنّه كناية عن حسن التّربية، فالولد يكفل والديه حال كبرهما، كما كفلاه حال صغره. و كذا يكفل النّبيّ المؤمنين.
الثّاني: أنّ فرخ الطّائر يخفض جناحه لأمّه ليستعطفها لتغذيته، فخفض الجناح يكون بين الطّرفين.
و المناسب هنا الأوّل، لأنّ الولد لا يقصد استعطاف والديه عليه و لا النّبيّ استعطاف المؤمنين. بل العطف من جانب الولد و النّبيّ ابتداء لتكفّل الوالدين و المؤمنين، إلّا أن يراد مطلق التّواضع لهم، جلبا لعواطفهم دون التّربية أو التّكفّل، و هذا لا يبعد. و المعنى تواضعوا للوالدين و للمؤمنين جدّا كما بين الطّائر و فرخه من الطّرفين.
ثم انّ جناح الذّلّ جاء بشأن النّاس للوالدين، و لا مانع من تذلّل الإنسان لوالديه عند تواضعه لهما، فإن حقّهما عليه تالي حقّ اللّه تعالى، أمّا اخْفِضْ جَناحَكَ فهي خطاب للنّبيّ بشأن المؤمنين، و المناسب فيه التّواضع دون الذّلّ، فإنّ التّواضع منه عليه السّلام للمؤمنين خصلة حسنة تجلب النّاس إليه، أمّا الذّلّ فلا يحسن لأحد إلّا للّه و للوالدين.[5]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 10، ص 94
[1]الأنعام: 38
[2]فاطر: 1
[3]الإسراء: 24
[4]الحجر: 88
[5]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 10، ص 94