التراب
المجموعات : العناصر الأربعة

التراب

الأصل في هذه المادّة: التّراب، و هو ما نعم من أديم الأرض، و فيه لغات كثيرة، و هي: التّرب و التّرباء و التّرباء، يقال: أرض ترباء، أي ذات تراب. و كذا التّورب و التّوراب و التّيرب و التّيراب و التّريب و جمع التّراب: أتربة و تربان.[1] قال تعالی:«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ»[2] .

يلاحظ أنّ آيات «تراب» خمسة أصناف:

خلق الإنسان من التّراب: جاءت آيات في خلق الإنسان من تراب و سياقها إمّا إثبات قدرة اللّه، بأن خلق أشرف خلقه من تراب، و هو أزهد الأشياء و أهونها. أو تذكير الإنسان بخسّة أصله، ليتواضع و لا يستكبر. أو التّدليل على قدرة اللّه على إحيائه من التّراب مرّة أخرى، و هذه الغايات مبثوثة في الآيات.

و المراد بخلقه من تراب إمّا خلق أصله و هو آدم من تراب أو خلق نفسه منه، لأنّه من النّطفة و الدّم، و كلاهما من الغذاء، و هو إمّا ما ينبت من الأرض مباشرة، أو من الحيون الّذي يتغذّى من نبات الأرض.

جاء خلق الإنسان من طين و من صلصال و ذلك إشارة إلى مراحل خلقه، فأصله التّراب ثمّ الطّين ثمّ الصّلصال.

إحياؤه من التّراب: هي إدانة لرأي مشركي مكّة و غيرها الّذين أنكروا المعاد، بحجّة أنّ إحياء التّراب و العظام أمر محال. فيبدو أنّ مشكلة البعث عند المشركين كانت شاقّة كمشكلة التّوحيد، أو أشقّ منها و أصعب، لا سيّما أنّ التّوحيد أمر فطريّ دون المعاد.

تمنّى الكافر يوم القيامة حينما ينظر إلى ما قدّمت يداه من الشّرك و الإثم و الفساد؛ أن لو كان ترابا، أي أخسّ الأشياء، و لم يكن إنسانا مكلّفا مسؤولا عن أعماله فيعذّب بها.

تمثيل «بطلان الصّدقات» بالمنّ و الأذى بصفوان عليه تراب، فأصابه مطر شديد، فيتركه صلدا، أي أنّ الصّدقات تذهب بذلك هباء كالتّراب.

التنبيه على أنّ العرب الجاهليّين كانوا يتطيّرون من الأنثى، فكان الّذي يبشّر بولد أنثى يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به، و يحدّث نفسه أيمسكه على هون أم يدسّه في التّراب؟ فكانت الأنثى عندهم مخلوقا منحطّ الرّتبة، حتّى أراد أن يدسّه في التّراب و هو أدنى الأشياء حتّى لا ترى فيعاب بها.

و يبدو أنّ «التّراب» في الآيات كلّها جاء مثالا لأخسّ الأشياء و أخملها.[3]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 7، ص 708

 

[1]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 7، ص 708

[2]الحجّ: 5

[3]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 7، ص 710