الحمأ
الحمأة: الطّين الأسود المنتن، و هو الحمأ أيضا.
قال تعالی:«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ... وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ... قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »[1] .
يلاحظ أنّه قرن الحمأ بالصّلصال، و وصف بالمسنون و فسّر الصّلصال بالطّين اليابس، و الحمأ بالطّين الأسود المنتن، و المسنون بالمتغيّر، فإن قيل: ما فائدة ذكر الحمأ إن كان بمعنى الصّلصال، فهو يغني عنه؟ نقول: هو مبيّن لجنس الصّلصال، كقولهم: أخذت هذا من رجل من العرب.
فی هذه الآيات ذكر أوّلا بنحو الإجمال خلقة الإنسان و هو مجموع الجسم و الرّوح في قبال خلقة الجانّ و هو أيضا مجموع الجسم و الرّوح إلّا أنّه ركّز مادّة جسمهما فرقا بينهما، فمادّة جسد الإنسان هو صلصال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ و مادّة جسد الجانّ هو نارِ السَّمُومِ خلقه قبل خلقة الإنسان.
ثمّ بدأ بالتّفصيل و هو أنّه قال للملائكة: إنّه يخلق بشرا، أي جسدا من صلصال من حمأ مسنون، فعبّر عنه ب (بشرا) لأنّه أراد به خلق جسده، ثمّ ضمّ إليه نفخ روحه فيه، ناسبا «الرّوح» إلى نفسه تشريفا له، فأمر الملائكة بالسّجود له بعد خلقه سويّا- أي إنسانا تماما- فسجدوا كلّهم له إلّا إبليس فلم يسجد، فلمّا قال اللّه له: مالك لا تسجد؟ اعتذر بأنّه لا يسجد لبشر خلقه من صلصال من حمأ مسنون، فعبّر عنه و هو حينئذ كان إنسانا ذا جسد و روح ب «بشر» و نسبه إلى مادّة جسمه فقط، تحقيرا له و تجنّبا عن عدّه إنسانا سويّا نفخ اللّه فيه من روحه. و هذا نموذج من مغالطات الشّيطان؛ حيث جعل نفسه أعلى من أن يسجد لبشر خلقه من صلصال من حمإ مسنون، و قال: لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ ... أي لم يكن من شأني قديما و حديثا مثل هذا السّجود. فاستوجب بذلك الرّجم و اللّعن الدّائم إلى يوم الدّين، كما جاء في الآيات بعدها.[2]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 13، ص 737
[1]الحجر: 26- 33
[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 13، ص 737