الصالحون
الصالحون جمع صَالِح و هو الذي يؤدي فرائض الله و حقوق الناس.[1] و الصَّلاح ضدّ الفساد، و هما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال، و قوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد، و تارة بالسّيّئة.[2]
کرر لفظ الصالحین فی مواضع من کلامه تعالی و ارید به مرتبة من الصلاح یناسب ذلک الموضع، ففرق بین الصالحین فی قوله تعالی: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَ الصِّدِّيقِينَ، وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»[3] و قوله: «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ»[4] .
قال العلامة السید الطباطبائي فی تحقیق معنی الصالحین: الصلاح و هو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الإنسان و ربما نسب إلى نفسه و ذاته.
اما صلاح العمل فلياقته لأن يلبس لباس الكرامة و يكون ممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى.
و أما صلاح النفس و الذات فقد قال تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَ الصِّدِّيقِينَ، وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»[5] و ليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة و لا الخاصة بالمؤمنين إذ هؤلاء القوم و هم الصالحون، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين و ليس المراد أيضا مطلق كرامة الولاية و هو تولي الحق سبحانه أمر عبده، فإن الصالحين و إن شرفوا بذلك، و كانوا من الأولياء المكرمين لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم و بين النبيين، و الصديقين، و الشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم. نعم الأثر الخاص بالصلاح هو الإدخال في الرحمة، و هو الأمن العام من العذاب فالصلاح الذاتي كرامة ليست بحذاء العمل و الإرادة.
ثم إنك إذا تأملت حال إبراهيم و مكانته في أنه كان نبيا مرسلا و أحد أولي العزم من الأنبياء، و أنه إمام، و أنه مقتدى عدة ممن بعده من الأنبياء و المرسلين و أنه من الصالحين ای الصلاح المعجل و هو مع ذلك كله يسأل اللحوق بالصالحين الظاهر في أن هناك قوما من الصالحين سبقوه و هو يسأل اللحوق بهم فيما سبقوه إليه، و أجيب بذلك في الآخرة حيث قال تعالى: «وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ»[6] فإذا تأملت ذلك حق التأمل قضيت بأن الصلاح ذو مراتب بعضها فوق بعض. و لم تستبعد لو قرع سمعك أن إبراهيم سأل اللحوق بمحمد و آله الطاهرين فأجيب إلى ذلك في الآخرة لا في الدنيا فإنه يسأل اللحوق بالصالحين، و محمد يدعيه لنفسه. قال تعالى: «إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»[7] فإن ظاهر الآية أن رسول الله هو المتحقق بالصلاح الذي يدعيه بموجب الآية لنفسه و إبراهيم كان يسأل الله اللحوق بعده من الصالحين يسبقونه في الصلاح.[8]
المنابع:
مفردات ألفاظ القرآن، ص 489
مجمع البحرين، ج 2، ص 158
الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 304
[1]مجمع البحرين، ج 2، ص 158
[2]مفردات ألفاظ القرآن، ص 489
[3]النساء: 69
[4]النور: 32
[5]النساء: 69
[6]البقرة: 130
[7]الأعراف: 196
[8]الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 304