التین
الأصل في هذه المادّة: التّين، و هو الثّمر المعروف أو شجرته، واحدته: تينة، و التّينة أيضا: الدّبر، و لعلّه تشبيه بوقب التّين. و لم يشتقّ منها فعل و لا مصدر و لا اسم سوى ما ذكر. و أطلق عليه أيضا البلس و الكعر و الجلداسيّ و القلّاريّ و الطّبّار و الفيلحانيّ و الصّدى و الملاحيّ و الأزغب و الوحشيّ و الجمّيز، و هي أصناف منه.
و لم يتعرّض أحد من اللّغويّين و المفسّرين لأصله، و كأنّهم سلّموا بأنّه عربيّ، إلّا أنّ الفيّوميّ صرّح بذلك، فقال: «هو عربيّ»، و قال ابن قتيبة في تفسير وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ: «جبلان بالشّام يقال لهما: طور تينا و طور زيتا بالسّريانيّة»، و هذا تعريض لأعجميّته. و لكنّ «تينا»- بتائين و بكسر التّاء الأولى كما ورد- و «زيتا» في السّريانيّة شجرتا التّين و الزّيتون، و ليسا منبتهما كما ذهب إليه ابن قتيبة. و قد احتمل «آرثرجفري» أن يكون آراميّ الأصل، بيد أنّه سلم بوروده في الشّعر العربيّ القديم، و أيقن أنّه كان مستعملا في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام.
جاء منه لفظ واحد، مرّة واحدة قال تعالی:«وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ »[1] و اختلفوا أهما الفاكهتان المعروفتان أم غيرهما؟ و الّذي دعاهم إلى ذلك أنّه لا مناسبة بينهما و بين طُورِ سِينِينَ و الْبَلَدِ الْأَمِينِ. فأقسم اللّه بفاكهتين لهما دور كبير في معيشة النّاس، و بجبلين أو بلدين لهما دور كبير في هداية النّاس.
ثم ما هي العلاقة هنا بين هذه الأشياء و بين لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ؟ قال بعض أنّ الإنسان جسد و روح، و لكلّ منهما غذاء، فغذاء الجسد التّين و الزّيتون، لما لهما من الخواصّ- و قد ذكرها- و لما لهما من دور في حياة العرب. أمّا غذاء الرّوح فالهداية الإلهيّة الّتي جاءت إلى موسى في الطّور و إلى محمّد في مكّة، و هي أكمل ما نزل على الأنبياء. و نضيف إلى ذلك أنّ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ في الآية يشمل الجسد و الرّوح، و كذلك أَسْفَلَ سافِلِينَ، و هي إشارة إلى جفاء الإنسان لنعم ربّه؛ حيث انحطّ و رجع إلى الورى إلى أن بلغ أسفل سافلين، من موضعه الّذي خلق له، و هو أحسن تقويم.[2]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 226
[1]التّين: 1
[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 226