الرُوح
الرُّوح : ما به حياة النفس. و قيل: النفس. و قيل: النفس و الروح واحد، غير أن العرب تذكّر الروح و تؤنث النفس. الروح هو النفس الناطقة المستعدّة للبيان و فهم الخطاب و لا تفنى بفناء هذا الجسد، و أنه جوهر لا عَرَض.[1]
جاء ذکر الروح فی عدة آیات منها قوله تعالى: «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا»[2] .
فالرّوح في الأصل اللغوي تعني النفس و البعض يرى بأنّ الروح و الرّيح مشتقّتان من معنى واحد، و إذ تمّ تسمية روح الإنسان بهذا الاسم فذلك لأنّها تشبه النفس و الريح من حيث الحركة و الحياة،و كونها غير مرئية مثل النفس و الريح.
استخدمت كلمة الرّوح في القرآن الكريم في موارد و معاني متعدّدة:
فهي في بعض الأحيان تعني الروح المقدّسة التي تساعد الأنبياء على أداء رسالتهم كما في الآية 253 من سورة البقرة و التي تقول: وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ .
و في بعض الأحيان تطلق على القوّة الإلهية المعنوية التي تقوي المؤمنين و تدفعهم، كما في قوله تعالى في الآية (22) من سورة المجادلة: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ .
و في موارد أخرى تأتي للدلالة على الملك الخاص بالوحي و يوصف ب (الأمين)، كما في الآية (193) من سورة الشعراء: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ .
و في مكان آخر وردت بمعنى الملك الكبير من ملائكة اللّه الخاصين، أو مخلوق أفضل من الملائكة كما في الآية (4) من سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ.
و وردت بمعنى القرآن أو الوحي السماوي، كما في الآية (52) من سورة الشورى في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.
و أخيرا وردت الروح في القرآن الكريم بمعنى الروح الإنسانية، كما في آيات خلق آدم: ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ .
ثم ان للمفسرين في المراد من الروح المسئول عنه و المجاب عنه أقوال:
فقال بعضهم: إن المراد بالروح المسئول عنه هو الروح الذي يذكره الله في قوله: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا».
و قال بعضهم: إن المراد به جبريل فإن الله سماه روحا.
و قال بعضهم: إن المراد به القرآن.
و قال بعضهم: إن المراد به الروح الإنساني فهو المتبادر منه.
و قال بعضهم: إن المراد به مطلق الروح الواقع في كلامه و السؤال إنما هو عن كونه قديما أو محدثا فأجيب بأنه يحدث عن أمره و فعله تعالى، و فعله محدث لا قديم.
و لهم اختلاف في معنى قوله: «الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » أ هو جواب مثبت أو ترك للجواب و صرف عن السؤال على قولين. و لهم اختلاف آخر في المخاطبين بقوله: «وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» أ هم اليهود أو قريش لو كانوا هم السائلين بتعليم من اليهود أو هم النبي ص و غير النبي من الناس؟ [3]
لکن يمكن أن نستفيد من مجموع القرائن الموجودة في الآية أنّ المستفسرين سألوا عن حقيقة الروح الإنسانية، هذه الروح العظيمة التي تميّز الإنسان عن الحيوان.
إنّ أهم أصل يجب أن نعرفه هو قضية أصالة الروح، في مقابل آراء المذاهب الوضعية التي تذهب إلى مادية الروح، و أنّها من افرازات الذهن و الخلايا العصبية. و المهم ان مسألة بقاء الروح و قضية التجرد المطلق أو عالم البرزخ يعتمدان على هذا الأمر.
ثم ان تعلق الروح بجسم الإنسان ليست و كما يظن البعض من نوع الحلول، و إنّما هي نوع من الارتباط و العلاقة القائمة على أساس حاكمية الروح على الجسم و تصرفها و تحكمها به، حيث يشبهها البعض بعلاقة تعلق المعنى و ارتباطه باللفظ.[4]
المنابع:
الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 200
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 9، ص 110
الإفصاح فى فقه اللغة، ج 1، ص 98
[1]الإفصاح فى فقه اللغة، ج 1، ص 98
[2]الاسراء : 85
[3]الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 200
[4]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 9، ص 110