الأباريق
المجموعات : الأثاث

الأباریق

أطبقت أكثر الأقوال و النّصوص على أنّ أباريق جمع إبريق، و هو لفظ فارسيّ معرّب «آب ريز»، أي ما يراق منه الماء. فهي فارسيّة الأصل، عربيّة الاستعمال و التّصريف. و لقد أخطأ من جعل اللّفظة تحت باب «برق» توهّما منه أنّ التّسمية اشتقّت من اللّمعان الملحوظ في «الإبريق»، لأنّ الإبريق يكون إبريقا من مجرّد كونه طويل العنق، ذا خرطوم و عرى؛ سواء أ كان صافي اللّون برّاقا أم لم يكن. و مع ذلك فقول ابن فارس: «كلّ ما له بريق إبريق»، و الطّبرسيّ: «هو الّذي برق من صفاء لونه» و الرّاغب: «و تصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه»، و القرطبيّ: «سمّي بذلك لأنّه يبرق لونه من صفائه»، يشعر بوجود العلاقة عندهم بين الأباريق و البرق. و عليه فهو مشتقّ من البريق من قولهم: جارية إبريق، إذا كانت برّاقة الجسم. و الاختلاف في شكل الإبريق في كونه طويل العنق أو غيره، و له عروة أو عرى و آذان إلى غير ذلك؛ لعلّه جاء من اختلاف صورها في البلدان فوصف كلّ منهم ما اعتاده في بلده.

القرآن قد استعملها مع كلمات معرّبة أخرى هي (أكواب) و (كأس)، ليقرّب إلى أذهان القوم صورة من صور الجنّة؛ لأنّهم كانوا يسمعون بمجالس الفرس و الرّوم، و يطمحون إلى أن يكون لهم مثلها؛ فوصفت مجالس أهل الجنّة بما يشبه ما يدور في خلدهم عن مجالس التّرف و الأبّهة. و جاء أباريق في القرآن مرّة واحدة مع (أكواب) و (كأس) فی قوله تعالی:«يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ »[1] يلاحظ أنّ (أباريق و أكوابا) وردا جمعا دائما، و (كأسا) ورد مفردا، فعلّلوه تارة بأنّ (كأسا) اسم جنس يعمّ الجمع و المفرد، و أريد بهذا العموم بيان الفرق بين ما يدور في مجالس الملوك- حيث الخدم و الأكواب و الكؤوس- و بين ما يدور في الجنّة- حيث الولدان المخلّدون و أكواب و أباريق و كأس من معين-، و هذا ليس بشي ء. و علّلوه تارة أخرى بأنّ الكأس لا يكون كأسا إلّا إذا كان فيه شراب، و الشّراب جنس واحد، فباعتباره لا يكون هنا كؤوس بل كأس، و هذا تعليل الرّازيّ في كلام طويل. و تارة قالوا: إنّ ذلك على عادة أهل الشّرب؛ فإنّهم يجعلون الخمر في أباريق متعدّدة و يشربون بكأس واحدة.

و جمع أباريق و أكواب يحكي لنا كثرة الخدم لأهل الجنّة، و صنوف المشروبات، بما يمثّل سعة العيش و الرّفاهيّة مع الأبّهة و العظمة، فهذا الجمع يوازي جمع (ولدان) أي في يد كلّ منهم إبريق و كأس و كوب، أو أنّ في يد كلّ واحد واحدا من تلك الثّلاثة، فهذا يحمل إبريقا و ذاك كوبا و الثّالث كأسا.

و جاءت الألفاظ الثّلاثة نكرة دائما و تفخيما إشارة إلى أنّها لا يدرك كنهها، و لا مثيل لها في مجالس أهل الدّنيا مهما كانوا من التّرف و الشّرف؛ فهي كسائر ما في الجنّة تكون ممّا لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على بال بشر.[2]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 1، ص 117

 

[1]الواقعة: 18

[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 1، ص 117