صلح الحديبية
المجموعات : الغزوات

صلح الحدیبیة

قصّة «صلح الحديبية»:

في السنة السادسة للهجرة و في شهر ذي القعدة منها تحرّك النّبي نحو مكّة لأداء مناسك العمرة و رغب المسلمين جميعا في هذا الأمر .. غير أنّ قسما منهم امتنع عن ذلك، في حين أنّ معظم المهاجرين و الأنصار و جماعة من أهل البادية عزموا على الاعتمار مع النّبي فساروا نحو مكّة! ...فأحرم هؤلاء المسلمون الذين كانوا مع النّبي و كان عددهم في حدود «الألف و الأربعمائة» و لم يحملوا من أسلحة الحرب شيئا سوى السيوف التي كانت تعدّ أسلحة للسفر فحسب!.

و لمّا وصل النّبي إلى «عسفان» التي لا تبعد عن مكّة كثيرا أخبر أنّ قريشا تهيّأت لصدّه و صمّمت على منعه من الدخول إلى مكّة. و لمّا بلغ النّبي الحديبيّة - و هي قرية على مسافة عشرين كيلو مترا من مكّة و سمّيت بذلك لوجود بئر فيها أو شجرة - أمر أصحابه أن يحطّوا رحالهم فيها. فقالوا: يا رسول اللّه ليس هنا ماء و لا كلأ، فهيّأ النّبي عن طريق الاعجاز لهم ماء من البئر الموجودة في تلك المنطقة .. و بدأ التزاور بين سفراء النّبي و ممثليه و سفراء قريش و ممثليها لتحلّ المشكلة على أي نحو كان، و أخيرا جاء عروة بن مسعود الثقفي الذي كان رجلا حازما عند النّبي فقال له النبي: «إنّا لم نجي ء لقتال أحد و لكن جئنا معتمرين ...». و هذا و قد لاحظ عروة الثقفي، ضمنا حالة الأصحاب و هم يكتنفون نبيّهم عند وضوئه فلا يدعون قطرة تهوي إلى الأرض منه.

و حين رجع عروة إلى قريش قال: لقد ذهبت إلى قصور كسرى و قيصر و النجاشي فلم أر قائدا في قومه في عظمته كعظمة محمّد بين أصحابه ... و قال عروة لرجال قريش أيضا إذا كنتم تتصورون أنّ أصحاب محمّد يتركونه فأنتم في خطأ كبير ... فأنتم في مواجهة أمثال هؤلاء الرجال الذين يؤثرون على أنفسهم فاعرفوا كيف تواجهونهم!؟

ثمّ أنّ النّبي أمر عمر أن يمضي إلى مكّة ليطلع أشراف قريش على الهدف من سفر النّبي فاعتذر عمر و قال إنّ بينه و بين قريش عداوة شديدة و هو منها على حذر فالأفضل أن يرسل عثمان بن عفان ليبادر إلى هذا العمل، فمضى عثمان إلى مكّة و لم تمض فترة حتى شاع بين المسلمين خبر مفاده أنّ عثمان قتل، فاستعد النّبي لأن يواجه قريشا بشدّة! فطلب بتجديد البيعة من أصحابه فبايعوه تحت الشجرة بيعة سمّيت «بيعة الرضوان» و تعاهدوا على مواصلة الجهاد حتى آخر نفس؛ إلّا أنّه لم يمض زمن يسير حتى عاد عثمان سالما و أرسلت قريش على أثره سهيل بن عمرو للمصالحة مع النّبي غير أنّها أكّدت على النّبي أنّه لا يدخل مكّة في عامه هذا أبدا.

و بعد كلام طويل تمّ عقد الصلح بين الطرفين و كان من موادّه ما بيّناه آنفا و هو أن يغض المسلمون النظر عن موضوع العمرة لذلك العام و أن يأتوا في العام القابل الى مكّة شريطة أن لا يمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيّام و أن لا يحملوا سلاحا غير سلاح السفر كما كان من مواد العقد أمور أخرى تدور حول سلامة الأرواح و الأموال التي تعود للمسلمين و الذين يأتون مكّة منهم [من قبل المدينة] و من مواد العقد أيضا إيقاف القتال بين المسلمين و المشركين لعشر سنين و أن يكون مسلمو مكّة أحرارا في أداء مناسكهم و فرائضهم الإسلامية.

و كان هذا العقد [أو هذه المعاهدة] بمثابة عدم التعرض لكلا الجانبين و لحسم المعارك المستمرّة بين المسلمين و المشركين بصورة مؤقتة.

و كان مؤدّى هذه المعاهدة و ما يتضمّنه عقد الصلح بالنحو التالي: «قال النّبي لعلي اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم: فقال سهيل بن عمرو الذي كان سفير المشركين لا أعرف هذه العبارة بل ليكتب بسمك اللّهمّ! فقال النّبي لعلي اكتب: بسمك اللّهمّ: ثمّ قال النّبي لعلي اكتب: هذا ما صالح عليه محمّد رسول اللّه سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو كنّا نعرفك رسول اللّه لما حاربناك فاكتب اسمك و اسم أبيك فحسب. فقال النبيّ: لا مانع من ذلك اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو أن يترك القتال عشر سنين ليجد الناس مأمنهم ثانية، و إضافة إلى ذلك من يأت محمّدا من قريش مسلما دون إذن وليّه فيجب إعادته الى أهله و من جاء قريشا من أصحاب محمّد فلا يجب إعادته إلى محمّد! و الجميع أحرار فمن شاء دخل في عهد محمّد و من شاء دخل في عهد قريش! و يتعهّد الطرفان أن لا يخون كلّ منهما [صاحبه ] الآخر و أن يحترم ماله و نفسه! ثمّ بعد هذا ليس لمحمّد هذا العام أن يدخل مكّة، لكن في العام المقبل تخرج قريش من مكّة لثلاثة أيّام و يأتي محمّد و أصحابه إلى مكّة على أن لا يمكثوا فيها أكثر من ثلاثة أيّام و يؤدّوا مناسك العمرة ثمّ يعودوا إلى أهلهم شريطة أن لا يحملوا معهم سلاحا سوى السيف الذي هو من عدة السفر و أن يكون في الغمد و شهد على هذه المعاهدة جماعة من المسلمين و جماعة من المشركين و أملى المعاهدة علي بن أبي طالب عليه السّلام».[1]

المنبع:

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص412-413

 

[1]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص412-413