قوم تبّع
لقد وردت كلمة (تبّع) في القرآن الكريم مرتين: مرة في الآية 37 من سورة دخان و أخرى في الآية 14 من سورة ق.
لقد كانت أرض اليمن- الواقعة في جنوب الجزيرة العربية- من الأراضي العامرة الغنية، و كانت في الماضي مهد الحضارة و التمدن، و كان يحكمها ملوك يسمّون «تبّعا»- و جمعها تبابعة- لأنّ قومهم كانوا يتبعونهم، أو لأنّ أحدهم كان يخلف الآخر و يتبعه في الحكم. و مهما يكن، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعا قويا في عدته و عدده، و لهم حكومتهم الواسعة المترامية الأطراف.[1]
و أشهر التبابعة- هو تبّع الأوسط- أبو كرب، و قيل: أبو كريب أسعد بن ملكيكرب، و قيل: مليكرب الحميري، القحطاني، اليماني، و هو الذي ذكر في القرآن الكريم، و قيل: هو زيد بن همال الحميري، و قيل: هو حسان بن أسعد الحميري، و قيل:غير ذلك.
فالمذكور في القرآن الكريم من التبابعة كان ملكا قويّ الشكيمة، واسع النفوذ، أديبا شاعرا فصيحا، محبّا للعلم و العلماء، فكان يجلب العلماء و المفكرين إلى بلاطه ليستفيد من علومهم و معارفهم. كان مؤمنا موحّدا للّه، و كان على طرفي نقيض مع قومه الّذين كانوا يعبدون الأصنام من دون اللّه، و هناك الكثير من المحققين يعتقدون بأنّ اللّه بعثه إلى قومه لهدايتهم و إرشادهم. قام بحروب و غزوات كثيرة حتى انتهى إلى سمرقند، و قيل: إلى الهند، و افتتح بلاد الشام، و مرّ بمكّة، و أمر بإكساء الكعبة، فكان أوّل من كساها... كان في أوّل أمره غلاما يكتب للملك الذي كان قبله، و كان إذا كتب افتتح باسم اللّه الذي خلق صبحا و ريحا، فكان الملك يعترض و يقول: اكتب و ابدأ باسم ملك الرعد، فكان المترجم له يقول: لا أبدأ إلّا باسم إلهي ثم أعطف على مطالبك. فشكر اللّه عزّ و جل له ذلك، فأعطاه ملك ذلك الملك، فصار ملكا أو تبّعا من ملوك أو تبابعة اليمن. كان على دين موسى بن عمران عليه السّلام، و كان قد سمع من رهبان اليهود بأنّه سيبعث نبيّ في الحجاز يدعى محمّدا، فآمن بالنبي صلّى اللّه عليه و آله قبل مبعثه بمئات السنين، و كان يقول للأوس و الخزرج: كونوا في مكّة حتى يخرج النبي محمّد صلّى اللّه عليه و آله، أما أنّا فلو أدركته لخدمته و لخرجت معه ناصرا له.قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في حقه: لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان قد أسلم.
الفترة الزمنيّة التي عاشها المترجم له كانت حوالي القرن الرابع أو الخامس قبل ميلاد السيّد المسيح عليه السّلام، و اتّخذ من مدينتي ظفار و مأرب عاصمتين لمملكته. و بعد أن حكم 326 سنة- و لم يكن في حمير أحد حكم أطول مدّة منه- ثار عليه جماعة من قومه- حمير- فقتلوه، و قيل: قتل على يد أخيه عمرو.
نزلت في قومه الآية 37 من سورة الدخان: «أ هم خير أم قوم تبع و الذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين» و الآية 14 من سورة ق: «و أصحاب الأيكة و قوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد».[2]
المنابع:
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص 153
أعلام القرآن، ص203
[1]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص 153
[2]أعلام القرآن، ص203