الجِفان
الجفنة القصعة الكبيرة، و هي أعظم القصاع، لأنّها تحوي ما يطبخ فيها، و الجمع: جفان و جفن، يقال: جفن الجزور، أي نحرها و طبخها و اتّخذ منها طعاما، و جعل لحمها في الجفان، و دعا عليها النّاس حتّى أكلوها.
جاء منها لفظ واحد اسما مجموعا، في قوله تعالی:«يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»[1]
فالجفان كانت ممّا يعمله الجنّ لسليمان، و إردافها بالمحاريب و هي بيوت شريفة و التّماثيل، و كذلك تشبيهها ب (الجواب) و هي الحياض الكبار، و ب قُدُورٍ راسِياتٍ و هي القدور الكبار الرّاسية في مكانها، كلّ ذلك دلّ على أنّ «الجفان» كانت صحافا كبارا جدّا يأكل منها جماعة؛ و بذلك يبطل ما قيل: من أنّها مطلق ما يوضع فيه الطّعام، فلو كانت كذلك في أصل اللّغة، و لكنّ المراد بها في الآية الكبار منها. قال الفرّاء و غيره: «هي القصاع الكبار» أو «طبق الطّعام الكبير». و قال الطّبرسيّ: «كان سليمان عليه السّلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان، فإنّه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع النّاس لكثرتهم، و قيل: إنّه كان يجمع على كلّ جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه».
قال الرازی: لم قدّم الجفان على القدور في الذّكر مع أنّ القدور آلة الطّبخ، و الجفان آلة الأكل، و الطّبخ مقدّم على الأكل؟ و أجاب بأنّها لمّا بيّنت الأبنية الملكيّة أراد بيان عظمة السّماط الّذي يمدّ في تلك الدّور، و الجفان فيها، و أمّا القدور فلم تكن فيها و لا حاضرة معها، و لهذا قال: قُدُورٍ راسِياتٍ أي غير منقولات، و كانت في المطبخ. و كان يقع في النّفس أنّ الطّعام الّذي كان فيها في أيّ شي ء يطبخ؟ فأشار إلى القدور الكبار المناسبة لتلك الجفان».
و نحن نزيد عليه «أنّ القدور الرّاسيات» مع (الجواب) جاءت لتشبيه «الجفان» بها، رمزا إلى المماثلة بين ما يؤكل فيه و ما يطبخ فيه، لا أنّها كانت ممّا يعملها الجنّ له. و (الجواب) رمز إلى كمّيّة الماء اللّازم في طبخ هذا المقدار من الطّعام، و كان في حياض كبيرة إلى جانب القدور الرّاسيات.[2]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 9، ص 666
[1]سبأ: 13
[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 9، ص 666