إبراهيم علیه السلام
أبو الضيفان إبراهيم، و قيل: إبراهام، أو إبراهم، أو إبرهم، أو إبراهوم بن تارح، و قيل: تارخ بن ناحور بن سروج، و قيل: ساروغ بن رعو، و قيل: أرعو، و قيل: راغو بن فالج، و قيل: فالغ بن عابر بن شالح، و قيل: شالخ بن أرفخشد، و قيل: أرفكشاذ بن سالم ابن نبي اللّه نوح عليه السّلام، الملقب بخليل اللّه، و أمّه أميلة، و قيل: عوشاء، و قيل: بونا بنت كريتا بن كرثى.
هو أبو الأنبياء، و أحد الأنبياء أولي العزم، أصحاب الشرائع العامّة، و جدّ العبرانيين و العرب المستعربة من ابنه إسماعيل عليه السّلام. وصفه اللّه عزّ و جل في كتابه الكريم بأوصاف جليلة منها: حنيف، و مسلم، و منيب، و أوّاه، و شاكر، و قانت، و صدّيق و غيرها، و جاء ذكره في القرآن العظيم فی آیات کثیرة.
ولد في غار بقرية كوثى، و قيل: كوثار من أرض بابل، و قيل: ولد بغدان آرام من قرى الكوفة، و قيل: بمدينة أور من بلاد الكلدانيّين، و قيل: بالسوس، و قيل: ولادته في برزة شرقيّ دمشق سنة (1996) قبل ميلاد المسيح عليه السّلام.
ولد إبراهيم عليه السّلام و عمر أبيه 75 سنة، فلما ولد أبقته أمّه في الغار الذي ولد فيه 13 سنة، لم تخرجه منه خوفا من بطش النمرود طاغية ذلك العصر، فلما توفّي أبوه نقلته أمّه إلى بيت آزر، ثم تزوّجت من آزر.
كان آزر و قومه يعبدون الكواكب و الأصنام من دون اللّه، و كان آزر نجّارا أو نحّاتا ينحت الأصنام و يبيعها لعبّادها، و كان إبراهيم عليه السّلام المؤمن الموحد على طرفي نقيض مع آزر و قومه، فكان يسخف آراءهم و يحتقر أصنامهم، و يقدّم لهم البراهين و الحجج على تزييف عقائدهم و أديانهم، و كان يحثّهم على عبادة اللّه الّذي هو مصدر رزقهم و خيرهم.
بذل في توجيه قومه الجهد الجهيد و النصح الكثير لهدايتهم إلى عبادة اللّه و نبذ أوثانهم، و لكن أخفقت جهوده، فقابلوه بالجفاء و العناد و الإصرار على كفرهم و شركهم، و خصوصا من فرعون عصره نمرود بن كنعان بن كوش الّذي ادّعى الألوهية و أجبر الناس على عبادته و طاعته، و لم يؤمن به سوى زوجته سارة و ابن أخيه لوط عليه السّلام.
و لم يزل إبراهيم عليه السّلام يتّخذ موقفا سلبيّا من قومه و سلطانهم نمرود حتى أقدم على تحطيم أصنامهم الّتي كانوا يعبدونها، فأمر نمرود بأن يلقوا بإبراهيم عليه السّلام في النار ليحرقوه، و لكنّ اللّه سبحانه و تعالى جعل النار عليه بردا و سلاما.
و بعد أن لاقى الأمرّين من قومه و فرعون زمانه- و ما لاقى منهم من الجفاء و العناد و الاضطهاد- قرر الرحيل من بابل إلى أور الكلدانيين و هي مدينة قرب الشاطئ الغربي لنهر الفرات في العراق، ثم انتقل إلى حرّان أو حاران، و بعد مدة من مكوثه في حرّان رحل إلى فلسطين مصطحبا معه زوجته سارة و ابن أخيه لوطا عليه السّلام و زوجته، و نزل بمدينة شكيم، و تدعى اليوم نابلس.
سكن مصر مدّة على أثر جدب أصاب البلاد الفلسطينية، ثم عاد إلى فلسطين.
تزوّج عليه السّلام من ابنة خالته سارة بنت لاحج، و قيل: خاران بن ناحور، و كانت عاقرا، و لما بلغ الخامسة و السبعين، و قيل: السادسة و الثمانين من عمره تزوج من هاجر القبطية المصرية فولدت إسماعيل عليه السّلام، ثم انتقل إلى جرار، و استوطن منطقة فيها بين قادس و شور.
بعد ولادة إسماعيل عليه السّلام بثلاث عشرة سنة جاءت المعجزة الإلهيّة فحملت زوجته العقيمة العجوزة الّتي بلغت من العمر 90 سنة، فولدت إسحاق عليه السّلام و عمر إبراهيم عليه السّلام يومئذ 100 سنة.
قبل أن تلد سارة إسحاق عليه السّلام، كانت قد حسدت هاجر بولدها إسماعيل عليه السّلام، فعاد الصفاء بين المرأتين، فجاء الوحي من السماء إلى ابراهيم عليه السّلام بأن يرحل بهاجر و إسماعيل عليه السّلام إلى مكة، فنقلهما جبرئيل عليه السّلام إلى مكة و وضعهما عند بئر زمزم، و مكّة يومئذ خالية من الماء و النبات و الناس.
و لم تزل هاجر مع ولدها إسماعيل عليه السّلام بمكّة حتى ماتت، و كان إبراهيم عليه السّلام يزور ولده بين فترة و أخرى.
في أحد الأيام رأى في عالم الرؤيا بأنّ اللّه تعالى يأمره بذبح ولده إسماعيل عليه السّلام قربانا للّه، فلما استيقظ عرض الأمر على إسماعيل عليه السّلام، فأجابه إسماعيل عليه السّلام طائعا لأوامر السماء، فهمّ بذبحه، فلمّا همّ بذبحه رأى كبشا إلى جنبه، فأهوى على الكبش و ذبحه فداء عن ولده.
و لما شبّ إسماعيل عليه السّلام و بلغ مبلغ الرجال، جاء الوحي إلى إبراهيم عليه السّلام بأن يأخذ على عاتقه هو و إسماعيل بناء الكعبة، فانجزا بناءها، فكان أوّل بيت وضع للناس يعبد اللّه فيه.
سمع إبراهيم عليه السّلام و هو بفلسطين بأنّ جماعة من الجبّارين اضطهدوا لوطا عليه السّلام و هو في سادوم ببلاد الأردن، و تسلّطوا عليه و صادروا أمواله، فسار إبراهيم عليه السّلام على رأس ثلاثمائة و ثمانية عشر رجلا إلى سادوم، فاستنقذ لوطا عليه السّلام من الجبّارين و استرجع أمواله، و قتل جمعا غفيرا منهم، و تتبّع الهاربين منهم إلى برزة بنواحي دمشق، ثم عاد إلى فلسطين منتصرا.
بالإضافة إلى سارة و هاجر تزوج من امرأة ثالثة تدعى قطورة بنت يقظان، فأنجبت له:
زمران، و يقشان، و مدان، و مديان، و يشباق، و شوحا.
ثم تزوّج من امرأة رابعة اسمها حجور، و قيل: حجون بنت أدهير، و قيل: أمين فولدت له: كيسان، و شورخ، و قيل: سورج، و اميم، و لوطان، و نافس.
أنزل اللّه عليه عشرين صحيفة تعرف بصحف إبراهيم عليه السّلام.
و بعد أن عاش 175 سنة، و قيل: 200 سنة، و قيل: 120 سنة، و قيل: 190 سنة، توفّي بفلسطين في أواخر القرن العشرين، أو أوائل القرن الحادي و العشرين قبل ميلاد المسيح، فدفنه ولداه إسماعيل عليه السّلام و إسحاق عليه السّلام بمغارة المكفيلة في حقل عفرون، و قيل: دفن في قرية أربع أو المربّعة قرب بيت المقدس عند زوجته سارة.
كان عليه السّلام أوّل من اختتن و هو ابن 80 سنة، و قيل: ابن 120 سنة، و أوّل من قص شاربه، و أوّل من أضاف الضيف، و أوّل من رأى الشيب، و أوّل من لبس السراويل.
عرف بين قومه بالحلم و رقة القلب و البرّ مع الآخرين، و وهبه اللّه العلم و الحكمة و الهداية و البركة و الرحمة، و جعل النبوة و الإمامة في ذريته و نسله عدا الظالمين منهم.
و الأنبياء الّذين جاءوا من بعده كانوا ينسبون أديانهم إلى دينه.[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 22
[1]أعلام القرآن، ص 22