سليمان بن داود عليهما السّلام
هو سليمان، و في التوراة: سلومون بن يسّي، و قيل: إيشا بن عوبيد، و قيل: عويد بن عامر، من سلالة إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السّلام ... و أمّه بتشبع.
أعظم أنبياء و ملوك بني إسرائيل، و كان عالما، عادلا، رءوفا، حكيما، حسن السياسة و التدبير، جوادا، كريما.
ولد قبل ميلاد المسيح بحوالي 1033 سنة، و تولّى النبوّة و الملك و الحكم بعد وفاة والده، و عمره يومئذ 13 سنة، و قيل: بعث و عمره 40 سنة.
كان يستوطن تدمر بأرض الشام، و كان عمله حياكة السلال.
بعد أن أهلك اللّه أخويه: أبشالوم و أدونيا، و قيل: أدوينا، و كانا يخاصمانه على الملك و الحكم، استقرّت له الأمور و شاع الخير و السّلام في أرجاء مملكته، و أذعنت له ملوك الأرض، و دخلوا في دينه.
كانت مملكته تمتدّ ما بين بلاد الشام إلى إصطخر، و وصلت أساطيله التجارية إلى الهند و اليمن.
في السنة الرابعة من تسلّمه زمام النبوّة و الملك أقدم على بناء مدينة بيت المقدس و استغرق بناؤها أحد عشر عاما، و قيل: أكمل ما بدأ بناءه أبوه داود عليه السّلام، ثم بنى المسجد الأقصى فيها.
كان محبّا للبناء و العمران، فأنشأ المدن و الأسوار و القصور و العمارات و الهياكل في فلسطين و اليمن و سائر أنحاء مملكته، منها: بيت الرب، و بيت الملك، و جازر، و حاصور، و بيت حورون العلى، و مجدو، و بعلة، و سور بيت المقدس و غيرها، و من أشهر الهياكل التي أقامها: الهيكل الضخم الذي بناه في فلسطين، و عرف بهيكل سليمان، و جعل في داخله تابوت السكينة، و بعد أن وضع التابوت في الهيكل وقف أمامه و جموع الإسرائيليين من حوله، فأخذ يدعو اللّه و يسبّحه و يقدّسه، و يذكر منن الباري و رحمته و فضله على قومه، و طلب منهم أن يرسّخوا إيمانهم باللّه، و بدينه و دين آبائه.
و بعد أن كمل بناء بيت المقدس أقام عيدا و مهر جانا لبني إسرائيل، و قرّب الذبائح و عمل الولائم؛ ابتهاجا لإتمام بناء المدينة.
منحه اللّه كرامات و معاجز كثيرة، منها:
الذكاء المفرط، و الإصابة في الحكم، و معرفة منطق الطيور على اختلاف أصنافها، و أعلى مراتب الحكمة، و تسخير الرياح و السحاب، فكان يتصرّف بها ما يشاء، و يتحكم في توجيهها و سرعتها كما ينبغي له، و أوجد اللّه له مرآة كان يستطيع رؤية كل ما يريد من خلالها، و جعل اللّه سبحانه و تعالى إدارة ملكه في خاتمه، فكان إذا لبسه حضرته الجنّ و الإنس و الشياطين و الطيور و الوحوش، و صاروا تحت أمره، فكان يجلس على كرسيّه، فتأتيه الرياح و تحمله و الكرسي و جميع ما عليه من الجنّ و الانس و الشياطين و الدواب و الطيور و الخيل و غيرها في الهواء إلى المكان الذي يريده، فكان ينطلق من القدس في الصباح، و يتجوّل في الهواء، فيمرّ بإصطخر، و يقضي ليلته في خراسان، ثم يعود إلى القدس.
و من نعم اللّه عليه: انصهار و سيلان النحاس و الحديد بين يديه؛ لكي يستخدمه في الصناعات و تقوية البنايات و العمارات الضخمة و التماثيل و صنع القدور و الجفان الفخمة.
و سخّر له الإنس و الجنّ، فكانوا تحت أمره و طاعته.
في أحد الأيّام قام بتفقّد الطيور فلم يجد الهدهد بينهم، فلمّا حضر الهدهد سأله عن سبب غيبته، فأخبره بأنّه مرّ أثناء طيرانه على قوم سبإ ببلاد اليمن، و أخبره بأنّهم من الصابئة و يعبدون الشمس من دون اللّه سبحانه، و لهم ملكة عظيمة يطيعونها تدعى بلقيس بنت شراحيل، و لها عرش فخم مزيّن بأنواع الجواهر و الأحجار الكريمة. فلمّا سمع سليمان عليه السّلام كلام الهدهد زوّده بكتاب ليوصله إلى بلقيس، و فيه: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ». فأخذ الهدهد الرسالة إلى اليمن و دخل بلاط بلقيس و ألقاها على سريرها، فلما قرأته و وقفت على تهديد سليمان عليه السّلام لها و لدولتها قرّرت القدوم عليه، فجاءت إلى بيت المقدس حاملة معها الهدايا العظيمة له، و لمّا علم سليمان عليه السّلام بمقدمها بنى لها صرحا عظيما و أحضر بقدرة اللّه عرشها من اليمن و وضعه في الصرح الشامخ الذي أعدّه لاستقبالها.
فلما دخلت بيت المقدس و رأت عرشها العظيم قد جي ء به من اليمن و وضع في صرح الاستقبال اهتدت و تيقّنت بنبوّته و عظم شأنه، فأسلمت على يديه و آمنت باللّه و برسالته، و تركت عبادة الصابئة.
يقال: إن سليمان عليه السّلام تزوّجها فأنجبت منه، و أقرّها على ملكها في اليمن، و كان يتردّد عليها و يزورها في كل شهر مرّة، و يقيم عندها ثلاثة أيّام ثم يعود إلى القدس، و أمر ببناء ثلاثة قصور لها في اليمن، و سمّاها: غمدان، و سالحين، و بيتون. و يقال: إنّه تزوّج بالإضافة إليها ألف امرأة أخرى، و من بينهنّ ابنة فرعون مصر، و ابنة ملك الشام.
استخدم عددا من الوزراء و المستشارين، منهم: زابود بن ناتان، و قادة، مثل: بنايا ابن بويادع، و وكلاء و خزنة كأبيشار و أدونيرام، و كان له اثنا عشر وكيلا على نفقاته و منحه.
حجّ إلى بيت اللّه الحرام، و كسا الكعبة الشريفة ثوبا، فكان أوّل من كساها.
يقال: إنّه اخترع الحروف العربية و السريانية، و تنسب إليه مؤلّفات في الحكمة و علم الحيوان و الطيور و النباتات، و ينسب إليه سفر الحكمة.
قام برحلات عديدة، منها: رحلته من بلاد الشام إلى العراق فمرو، ثمّ بلخ، و منها توغل في بلاد الترك، و دخل الصين، و أتى إلى مدينة قندهار، ثم جاء إلى كسكر في العراق، و منها عاد إلى الشام.
غزا بلاد المغرب، و دخل الأندلس، و بنى بها مدينة من نحاس، و أودع فيها بعض خزائنه.
يقال: إنّ العالم المعروف «فيثاغورس» كان من جملة تلاميذه. و لم يزل يرقى سلالم العظمة الدينيّة و الدنيويّة حتى جاء أجله، فبينما هو يصلّي قائما متكئا على عصاه في محرابه ببيت المقدس اذ توفّي و فارقت روحه الدنيا، و لم يعلم بوفاته أحد من الإنس و الجان، فبقي متّكئا على عصاه و هو ميّت مدّة طويلة، و الناس يتخيّلون أنّه حي، حتى جاءت الأرضة و أكلت العصا فسقط على الأرض، فعند ذاك علموا بوفاته، فدفنوه إلى جانب والده داود عليه السّلام في قبّة الصخرة ببيت المقدس، و قيل: قبره بالقرب من بحيرة طبرية.
توفّي و له من العمر 53 سنة، و قيل: 52 سنة، و قيل غير ذلك، و كانت وفاته قبل ميلاد المسيح بحوالي 629 سنة، و قيل: حدود سنة 932 قبل الميلاد.
أوصى بوصاياه إلى آصف بن برخيا، و ملك من بعده ابنه رحبعام.
القرآن العظيم و سليمان بن داود عليهما السّلام :
وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ...(البقرة: 102).
وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ ... (النساء: 163).
وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ ... (الأنعام: 84).
وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ... * فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ... * وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً ... (الأنبياء: 78 و 79 و 81)
وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً ... * وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ... * وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ... * يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ ... * وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ... * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ ... * فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ ... * وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ ... (النمل: 15 -19 و 30 و 36 و 44).
وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ ... * يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ ... * فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ ... (سبأ: 12-14)
وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ... * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ * فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ... * رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً ...* وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ... * قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً ...* فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (سورة ص:30 – 36).[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 456-459
[1]أعلام القرآن، ص 456-459