التنّور
المجموعات : الأمکنة

التنّور

اختلفوا في التنور أهو عربيّ، أو فارسيّ، أو آراميّ. بيد أنّه لفظ معروف في كثير من اللّغات، حتّى قيل: إنّه في جميع اللّغات كذلك، فقد جاء في اللّغة الفارسيّة و التّركيّة و العبريّة بلفظ «تنور»، و في الآراميّة و السّريانيّة «تنورا»، و في الأفغانيّة «تنارة»، و في الأبستاق (أوستا) «تنوره». و يرى «آرثر جفري» أنّ هذا اللّفظ من مخلّفات أقوام كانت تقطن المنطقة السّاميّة، قبل هجرة السّاميّين و الآريّين إليها، ثمّ دخل بعد ذلك لغتي هذين الشّعبين.

و أمّا من قال بعربيّته فقد ذهب إلى أنّه من قولهم: نوّر الفجر تنويرا، و هو قول الإمام عليّ عليه السّلام كما تقدّم في معنى التّنور. و أصله على هذا القول «نوّور» على وزن فعّول فاجتمع واوان و ضمّة و تشديد، فاستثقل ذلك، فقلبوا عين الفعل إلى فائه، فصار «ونّور»، فأبدلوا من الواو تاء، كقولهم: تولج، في «وولج»، و التّولج: كناس الوحش. و قيل: أصله «تنوور» على وزن (تفعول) من «ت ن ر»، فهمزت الواو الأولى، ثمّ حذفت تخفيفا، و شدّد الحرف الّذي قبلها- أي النّون- فصار «تنّور». و القول الأوّل أرجح، لأنّ «ت ن ر» مهمل في اللّغة العربيّة، و النّون قبل الرّاء نادر في كلام العرب.

و اختلف اللّغويّون و المفسّرون في معنى التّنّور على أقوال، هي: الموقد الّذي يخبز فيه، و طلوع الفجر و نور الصّبح، و وجه الأرض، و موضع اجتماع الماء في سفينة نوح، و مسجد الكوفة، و الموضع المرتفع من الأرض، و عين في الجزيرة و هي عين الوردة.

جاءت مرّتين في قصّة نوح قال تعالی:«حتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ »[1] و قال:«فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ »[2]

يلاحظ أنّ التّنّور في القرآن خاصّ بقصّة نوح، و ذكر مرّتين كعلامة لحلول العذاب في سياق واحد، و كونه علامة للعذاب مفهوم من (فار التّنّور)، حيث إنّ ما بعدها جواب لها و مترتّب عليها. واختلفوا أيضا في محلّ التّنّور بين بلدين: الكوفة و الشّام، و هو ناشئ من تلك المنافسة و العداوة الّتي كانت بين أهالي البلدين في العصر الأمويّ، فكان هوى أهل الكوفة مع أهل البيت، و أهل الشّام مع بني أميّة، فأراد كلّ منهما أن يكون له حظّ من هذه القصّة. و يلحظ هذا الخلاف بوضوح في كثير من المسائل، فينبغي التّبيّن فيها و قبولها بحذر.[3]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 61

 

[1]هود: 40

[2]المؤمنون: 27

[3]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 8، ص 61