إدريس علیه السلام
هو إدريس بن يارد، و قيل: لود بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السّلام. جاء اسمه في التوراة: خنوخ أو أخنوخ، و يسمّيه اليونانيون: أرميس أو طرميس، و يعرف بهرمس الحكيم.
هو ثالث الأنبياء بعد آدم عليه السّلام و شيث عليه السّلام، أرسله اللّه لهداية البشر و إرشادهم، و كان صلب الإيمان، صالحا، زاهدا، تقيّا، يصوم نهاره، و يسبّح اللّه فيه، و يقدّسه، و يبيت حيثما جنّه الليل. ولد بمصر في مدينة منوف، ثم تجوّل في أرجاء الأرض، ثم عاد إلى مصر، و يقال: ولد ببابل في العراق، و بها نشأ و ترعرع، ثم رحل إلى مصر.
كان من السريان، و كان خيّاطا، و يعدّ أوّل من خاط الثياب و لبسها، و كان الناس من قبله يلبسون الجلود. أدرك من حياة آدم عليه السّلام 368 سنة، و قيل: 308 سنوات.
تعلّم علوم شيث بن آدم عليه السّلام، و تولّى سدانة بعض المعابد، و لما طعن في السن بعثه اللّه للنبوّة، فقام بإرشاد الناس في بابل، و أمرهم بعبادة اللّه و توحيده، و نهاهم عن مخالفة شرائع آدم عليه السّلام و شيث، فلم يؤمن به إلّا القليل من أهل بابل، فرحل و شيعته إلى مصر و استوطنوها، فقام بها بنشر دعوته و هدايتهم عن طريق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
وهبه اللّه معرفة لغات أهل زمانه، فكان يكلّم جميع الناس بألسنتهم، و علّمه الباري شتّى فنون العلم و المعرفة، كالفلك و النجوم و الحكمة و الحساب و الطب و الأدب و الشعر و علم الهيئة، بالإضافة إلى القراءة و الكتابة، فكان أوّل من كتب بالقلم.
قام بتخطيط المدن، و شجّع الناس على بنائها حتى بلغت الّتي شيّدت في زمانه 188 مدينة. قسّم الأرض إلى أربعة أقسام، و عيّن لكل قسم معمور منها ملكا يحكمهم بموجب شرائع و قوانين تناسب سكانها، و الملوك هم: ايلدوس، و زوس، و اسقلبيوس، و زوس أمون.
قام و لأول مرة ببناء الهياكل لتمجيد اللّه سبحانه و تعالى، و أمر ببناء الأهرام بصعيد مصر، و صوّر فيها مختلف العلوم و الصناعات و آلاتها و مميزاتها؛ حرصا منه على بقائها للأجيال من بعده.
عاصر جماعة من الملوك الطغاة العصاة المفسدين في الأرض و الظالمين، فدعا عليهم و طلب من اللّه خلاص الناس منهم، فلبّى اللّه طلبه، فسلبهم ملكهم و سلطانهم، و أهلكهم، و خرّب ديارهم.
كان يحث الناس على الأعمال الصالحة كالصلاة و الصيام و الجهاد في سبيل اللّه، و مساعدة الفقراء عن طريق الزكاة، و حرّم عليهم المسكرات، و أكل لحم الخنزير و الكلاب، و كان يحثهم على الطهارة من الجنابة، و كان يعاقب من يخالف أوامره و نواهيه.
لما كان في بابل كان يكثر القدوم إلى مسجد السهلة بالكوفة؛ للعبادة، و فيه كان يخيط الثياب.
كانت أوامر و تشريعات السماء تنزل عليه على هيئة صحف عرفت بصحف إدريس، و كان عددها 42 صحيفة، و قيل: 30، و قيل: 29، فكانت مملوّة بالآداب و المواعظ المفيدة و الإرشادات النافعة، و الحكم و النصائح القيّمة، و يقول المحققون: إنّ جميعها ألقيت في البحر و تلفت.
كان يحفظ على ظهر الغيب صحف آدم عليه السّلام و صحف شيث عليه السّلام و صحفه الخاصة به، و كان يدرّسها للناس. تزوّج من هدانة، و قيل: اذانة بنت باويل بن محويل بن خنوخ، فأنجبت له ولدا سمّي متوشالخ، و كان عمر إدريس عليه السّلام يومئذ 300 سنة.
لشدّة إيمانه باللّه و صلاحه حسده إبليس، فرفعه اللّه مكانا عليّا، و أدخله الجنة و هو حيّ، و قيل: قبض ملك الموت روحه في طبقات السماء. اختلفت الروايات في مدة حياته، فمنهم من قال: إنّه عاش 365 سنة، و قيل:300 سنة، و قيل: 165 سنة، و قيل: 82 سنة، و اللّه أعلم بحقائق الأمور.
استخلفه و قام مقامه في النبوّة ابنه متوشالخ. و هناك قصص و خرافات تدور حول شخصيّة إدريس عليه السّلام يذكرها اليهود في كتبهم أعرضنا عنها.
جاء ذکره فی الآیات التالیة من القرآن الکریم: «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا»[1] ، «وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»[2] ، «وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ»[3] .[4]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 69
[1]مریم: 56
[2]مریم: 57
[3]الأنبياء: 85
[4]أعلام القرآن، ص 69