الکهف
الكهف المغارة في الجبل إلا أنه واسع فإذا صغر فهو غار[1] .
سمّیت سورة باسم الکهف و فیها قصة اصحاب الکهف و کررّ فیها اسم الکهف ستّ مرات قال سبحانه: «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشدا»[2] . و اختلف فی هذا الکهف این موضعه و ادعي ذلك في عدة مواضع:
كهف أفسوس: و أفسوس [3] هذا مدينة خربة أثرية واقعة في تركيا على مسافة 73 كيلو مترا من بلدة إزمير، و الكهف على مساحة كيلو متر واحد أو أقل من أفسوس بقرب قرية «اياصولوك» بسفح جبل «ينايرداغ». و هو كهف وسيع فيه- على ما يقال- مات من القبور مبنية من الطوب و هو في سفح الجبل و بابه متجه نحو الجهة الشمالية الشرقية و ليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة، و هذا الكهف هو الأعرف عند النصارى، و قد ورد ذكره في عدة من روايات المسلمين. و هذا الكهف على الرغم من شهرته البالغة لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب العزيز من المشخصات.
كهف رجيب: و هذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلومترات من مدينة عمان عاصمة الأردن بالقرب من قرية تسمى رجيب و الكهف في جبل محفورا على الصخرة في السفح الجنوبي منه، و أطرافه من الجانبين الشرقي و الغربي مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها، و باب الكهف يقابل جهة الجنوب و في داخل الكهف صفة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين و نصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثة تقريبا و في الغار عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية كأنها ثمانية أو سبعة. و على الجدران نقوش و خطوط باليوناني القديم و الثمودي منمحية لا تقرأ و أيضا صورة كلب مصبوغة بالحمرة و زخارف و تزويقات أخرى.
و فوق الغار آثار صومعة بيزنطية تدل النقود و الآثار الأخرى المكتشفة فيها على كونها مبنية في زمان الملك جوستينوس الأول 418- 427 و آثار أخرى على أن الصومعة بدلت ثانيا بعد استيلاء المسلمين على الأرض مسجدا إسلاميا مشتملا على المحراب و المأذنة و الميضاة، و في الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الإسلام ثم عمروها و شيدوها مرة بعد مرة، و هو مبني على إنقاض كنيسة بيزنطية كما أن المسجد الذي فوق الكهف كذلك.
و كان هذا الكهف على الرغم من اهتمام الناس بشأنه و عنايتهم بأمره كما يكشف عنه الآثار متروكا منسيا و بمرور الزمان خربة و ردما متهدما حتى اهتمت دائرة الآثار الأردنية أخيرا[4] بالحفر و التنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانيا بعد خفائه قرونا و قامت عدة من الأمارات و الشواهد الأثرية على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن.
و قد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمان في بعض روايات المسلمين كما أشرنا إليه فيما تقدم و ذكره الياقوت في معجم البلدان و أن الرقيم اسم قرية بالقرب من عمان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك و قصر آخر في قرية أخرى قريبة منها تسمى الموقر. و بلدة عمان أيضا مبنية في موضع مدينة «فيلادلفيا» التي كانت من أشهر مدن عصرها و أجملها قبل ظهور الدعوة الإسلامية و كانت هي و ما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلاد حتى فتح المسلمون الأرض المقدسة.
و الحق أن مشخصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقا على هذا الكهف من غيره.
كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحية بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف.
كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى أصحاب الكهف.
كهف اكتشف على ما قيل في شبه جزيرة إسكاندنافية من الأوربة الشمالية عثروا فيه على سبع جثث غير بالية على هيئة الرومانيين يظن أنهم الفتية أصحاب الكهف.
و ربما يذكر بعض كهوف أخر منسوب إلى أصحاب الكهف كما يذكر أن بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز كهفا يعتقد أهل تلك النواحي أنه كهف أصحاب الكهف و كان الناس يقصدونه و يزورونه.
و لا شاهد يشهد على كون شي ء من هذه الكهوف هو الكهف المذكور في القرآن الكريم. على أن المصادر التاريخية تكذب الأخيرين إذ القصة على أي حال قصة رومانية، و سلطتهم حتى في أيام مجدهم و سؤددهم لم تبلغ هذه النواحي نواحي أوربة الشمالية و قفقاز.[5]
المنابع:
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 696
الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 296
[1]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 696
[2]الکهف: 10
[3]بكسر الهمزة و الفاء و قد ضبطه في مراصد الاطلاع بالضم فالسكون و لعله سهو.
[4]قد وقع هذا الحفر و الاكتشاف سنة 1963 م المطابقة 1342 ه ش و ألف في ذلك متصديه الأثري الفاضل« رفيق وفا الدجاني» كتابا سماه« اكتشاف كهف أهل الكهف» نشره سنة 1964 م يفصل القول فيه في مساعي الدائرة و ما عاناه في البحث و التنقيب، و يصف فيه خصوصيات حصل عليها في هذا الكهف، و الآثار التي اكتشفت مما يؤيد كون هذا الكهف هو كهف أصحاب الكهف الذي ورد ذكره في الكتاب العزيز، و يذكر انطباق الأمارات المذكورة فيه و سائر العلائم التي وجدت هناك على هذا الكهف دون كهف أفسوس و الذي في دمشق أو البتراء أو إسكاندنافية.
[5]الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 296