أصحاب الکهف
الكهف المغارة في الجبل إلا أنه واسع فإذا صغر فهو غار[1] . و أصحاب الکهف[2] هم بضعة رجال مؤمنین الذین اعتزلوا الناس فأووا الی کهف فأنامهم الله تعالی فیه ثلاثمأة و تسع سنین و بعد ذلک بعثهم و اطلع الناس علیهم. نزلت بشأنهم آیات من القرآن الکریم[3] و سماهم أصحاب الکهف فی عدة مواضع. قال تعالی: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً»[4] .
اختلف الاقوال فی أسمائهم فقال الطبری: أسماءهم هي مكسلمينا و محسيميلينا و يمليخا و مرطوس و كشوطوش و بيرونس و دينموس و يطونس قالوس.[5] و قال الآلوسی: و أسماؤهم على ما صح عن ابن عباس مكسلمينا و يمليخا و مرطولس و ثبيونس و دردونس و كفاشيطيطوس و منطنواسيس و هو الراعي و الكلب اسمه قطمير. و روي عن علي كرم اللّه تعالى وجهه أن أسماءهم يمليخا و مكشيلينيا و مثلينيا و هؤلاء أصحاب يمين الملك و مرنوش و دبرنوش و شاذنوش و هؤلاء أصحاب يساره و كان يستشير الستة و السابع الراعي، و لم يذكر في هذه الرواية اسمه، و ذكر فيها أن اسم كلبهم قطمير، و في صحة نسبة هذه الرواية لعلي كرم اللّه تعالى وجهه مقال. و قد سموا في بعض الروايات بغير هذه الأسماء، و ذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري أن في النطق بأسمائهم اختلافا كثيرا و لا يقع الوثوق من ضبطها. و في البحر أن أسماء أصحاب الكهف أعجمية لا تنضبط بشكل و لا نقط و السند في معرفتها ضعيف .[6]
قصتهم مطوّلة و موجزها كما يلي: كان الملك دقيانوس، -و حكم بين سني 284- 305 ب.م - و قيل: دقيوس أو دكيوس، أو دستجا بن تشوا ملك أفسوس احتل مدينة أقسوس، و قيل: أفسوس، و قيل: أفسيس، و التي تقع بثغور طرسوس من بلاد الشام، و قيل: بأرض أيلة، و قيل: بالبلقاء، و قيل: بأرض نينوى، و بعد أن دخلها اتّخذ منها عاصمة لملكه، و شيّد فيها قصرا فخما زيّنه بالجواهر و المعادن النفيسة، و اتّخذ ستة من أبناء ملوك الروم غلمانا و وزراء له يستشيرهم في أمور دولته، و هم: تمليخا، و مكسلمينا، و مرطولس، و نينونس، و سارينوس، و دريونس، و كانوا فتيانا مطوّقين مسوّرين ذوي ذوائب، و كانوا و الملك يعبدون الأصنام.
و بعد أن تمهّدت الأمور للملك و علا شأنه تجبّر و طغى و ادّعى الألوهية، فأحسن لمن أطاعه و عبده، و أهلك من عصاه.
في أحد الأيام أخبروه بأنّ جيوشا من بلاد فارس متوجهة إلى بلاده تريد الهجوم على أقسوس، فأخذه الرعب و الفزع، فأخذته الرعدة و سقط تاجه من رأسه، فجلب ذلك نظر وزيره تمليخا، و أخذ يفكّر و يسأل نفسه إن كان الملك إلها بحق- كما يدّعي- فلما ذا يجزع و يفزع من سماع خبر مجي ء بعض الأعداء نحوه؟ فأخذ يناقش نفسه بنفسه، فتوصّل إلى أنّ زعم الملك بالألوهية مجرد ادّعاء لا أساس له من الحقيقة و الواقع، و أنّ الحق مع الشرائع السماوية و الأنبياء و الرسل الّذين تنزّل عليهم تلك الشرائع.
و من ثم أخبر تمليخا أصحابه- الوزراء الخمسة- بما توصل إليه من كذب ادّعاءات الملك بالألوهية و الربوبية، و أثبت لهم بأنّ الخليقة لها خالق و مدبر غير الملك، و هو اللّه وحده لا شريك له.
لمّا سمع أصحابه أقواله صدّقوه، و جعلوا أنفسهم تحت أوامره، و رهن إشارته.
قرّر الفتيان الستة الهروب من أقسوس، فامتطوا خيولا و غادروها هائمين على وجوههم في الصحراء، و في طريقهم مرّوا براع يرعى غنمه، فأخبروه بأمرهم و فرارهم من ذلك الملك الكافر الجبّار، فلما سمع الراعي كلامهم اهتدى هو بدوره، و آمن باللّه و بأنبيائه، فترك غنمه و التحق بهم يصحبه كلب له يدعى قطمير.
جدّ السبعة في السير و ثامنهم قطمير حتى وصلوا إلى كهف يدعى الوصيد، و قيل:
انجلوس، فدخلوه، و بقي الكلب عند باب الكهف يحرسهم، و لم يلبثوا طويلا حتى أرسل اللّه ملك الموت و قبض أرواحهم.
افتقد الملك الوزراء الستة، فأخبروه بفرارهم، فأصدر أوامره بتتبّع آثارهم و إلقاء القبض عليهم، و أخيرا وصل إلى الكهف الذي هم فيه، فلما رآهم أمواتا أمر ببناء باب الكهف و سدّه عليهم.
مكثوا في الكهف ثلاثمائة و تسع سنين و هم أموات، و بعد تلك المدّة الطويلة أحياهم اللّه، و كان الملك دقيانوس قد هلك و ملك من بعده ملك مؤمن يدين بالمسيحية، و يدعى عبد الرحمن.
فلمّا وصل خبرهم إلى عبد الرحمن توجّه و جماعة من أهل أقسيس إلى الكهف لزيارتهم، و لكنّ أصحاب الكهف دعوا اللّه أن يقبض أرواحهم ثانية، فأجاب اللّه دعاءهم فماتوا بأجمعهم، فلما علم عبد الرحمن بموتهم أمر بإقامة مسجد على باب كهفهم.
الفترة الزمينة التي وقعت فيها قصة أهل الكهف كانت بين بعثة عيسى بن مريم عليه السّلام و بعثة خاتم الأنبياء- نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله- أيام ملوك الطوائف. و هناك أقوال أخر حول عدد و أسماء أصحاب الكهف.[7]
المنابع:
جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 15، ص 133
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 696
روح المعاني، ج 8، ص 234
أعلام القرآن، ص 129
[1]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 696
[2]فی کون اصحاب الرقیم نفس اصحاب الکهف او غیرهم ینظر «أصحاب الرقیم».
[3]الکهف: 9 - 26
[4]الکهف: 9
[5]جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 15، ص 133
[6]روح المعاني، ج 8، ص 234
[7]أعلام القرآن، ص 129